facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تعود الطيور إلى خبائها هناك هذه المرّة


أ.د. جهاد حمدان
12-08-2021 07:32 PM

تؤوب الطيور في المساء إلى خبائها وكذلك حال الزوار تنتهي رحلتهم ويعودون إلى أعشاشهم التي بنوها بعيدا عن الوطن. هذه الصورة جسدتها أحداث هذا المساء. فقد انسلّ من غرفة المعيشة إلى الحديقة. جلس قبالة جدار عال كسته النباتات المتسلقة فصار أشبه ببساط أخضر نُشر على سور الحديقة الخلفي. مئات العصافير آبت إليه بعد يوم عمل ربما خالطه سفر ومرح تملأ المكان نشاطا موزعة زقزقاتها على كامل شجر الحديقة ونباتاتها وجُلّاسها.

هو يرى هذا المشهد غير مرة في الأسبوع، ينتشي ويشاركها الفرح. لكنها المرة الأولى التي يرقبها وهي تدخل أعشاشها، لا عصفور يخطئ ويدخل عشّ غيره. عصافير لا تنتمي إلى جيل واحد. فبعضها شهد النور في فتحة صنعها والداه في السور، بزغ ريشه هنا، تغذى من منقار أمه، قوي جناحه، جرّب أولى تدريباته على الطيران، ثمّ حلّق بعيداً وعاد واتخذ له سكنا. ربما صار أبا أو صارت أما، أو جدّا أو جدّة.

طالت مراقبته حتى هدأت العصافير الآيبة، وصمتت علها تحظى بنوم هادئ قبل أن يتنفس الصبح، وتدب فيها الحركة من جديد.

فجأة جاءه الصوت من البرندة "الشُنط صارت في السيارة". وجد نفسه في كرسي المسافر لكنّ شريط الحياة مرّ أمام عينيه عارضا قصة عصافيره هو لا عصافير الجدار. فالزائر المسافر لعب قرب هذا الحائط الشجري وأكمل تعليمه الجامعي لدرجة البكالوريوس هنا، ومن هنا طار إلى بلاد العم سام. هنا تقاسمنا مكتب الدراسة، وترافقنا في مئات الرحلات إلى الأردنية، هنا ضحكنا وقهقهنا وشتمنا الحكومات.

قويت أجنحته فطار بعيدا وتابع رحلة التعلّم والتعليم، وصرنا بعد الأبوة والبنوة والصداقة زملاء. هو الجيل الثاني من امتدادات جدّه أبي يوسف بعد أن أُجبر على مغادرة بلدته الوادعة الخيمة من أعمال الرملة عام 1948. جاء هذه المرة زائرا ومعه ثلاثة أشبال من الجيل الثالث، حارت فيهم الأوصاف إذ تقاسمتهم الخيمة والسلط وأمريكا. هم الليلة يطيرون عائدين إلى عش بناه والداهم هناك بالكد والسهر والأمل والعمل. ودعتهم بمشاعر مختلطة: نشوة الإنجاز فعشّهم هناك مكين وعلْمهم نافع وعيشهم رغيد، ولكنّ كل هذا لم يمنع الحزن من أخذ مساحته عنوة. فهم امتدادي وهاهم يرحلون، وألسنة المودعين تلهج لهم بالدعاء. هم ليسوا كعصافير حديقتي، فلن يؤوبوا غدا. ولكننا سنظل نرقبهم، وسأظل أنا أراهم مع عصافير الحديقة العائدة إلى خبائها، وأسمع أصواتهم مع زقزقاتها. عدنا من المطار ومعنا ما انطوت عليه قلوبهم من حب، وحولنا ما تبقى من حقائب تسلل بعض ما ضمته إلى غرفنا. ولكنّ الهدية الأعظم تمثلت في يزن وآدم وسامي الذين سيظل صدى مناداتهم سيدو وتيتا وعمو تمدنا بزاد الانتظار إلى يوم اللقاء.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :