facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التنمر المباح بذريعة المزاح (2)


د. عائشة الخواجا الرازم
02-10-2021 12:14 AM

كان الطلاب الذين تنمروا على زميلهم الخلوق والهادىء، قد أثاروا في نفسي الصدمة حينما أخبروني بأنهم في نفس الصف، حين قالوا بصوت موحد جميل: كلنا في الصف السابع.

اقتربت من أحدهم عشوائيا، وأنا أضع كفي على كتفه وعلى كتف الطالب المعتدى عليه بذريعة المزاح كما قالوا، لم أرغب أبدا بإثارتهم بأي كلمة قاسية أو تأنيب، فالموقف يتطلب وسط هذه الجوقة المتنمرة حكمة ورباطة جأش ملاك مسالم، وخاصة حينما التفوا حولي بأدب مفاجىء أيضا، وأدركت أنهم ربما يستجيبون لكلمة أم حنون مثلا، أو عبارة إسقاط إيجابي، وكان الطلاب يهدأون هدوء ما بعد العاصفة:

قلت: إذن أنتم زملاء في نفس الصف يا شباب؟

قالوا: نعم كلنا في الصف السابع.

قلت: وأخوكم المحترم في نفس الصف؟

همس الطالب المعتدى عليه: آ...في نفس الصف.

قلت: ويتمزحوا هيك في نفس الصف؟

قالوا بصوت واحد مدهش: مستحيل، المزح خارج الصف.

قلت: يعني في الطريق أم في الساحة بتمزحوا هيك مع بعض؟

قالوا: يعني.. أحيانا.. بنحب نمزح ونحن راجعين للبيت.

قلت: بتعرفوا بيت زميلكم؟ قال الطالب المعتدى عليه وهو يفرك عينيه: احنا جيران خالتو.

....

سألت وأنا ما زلت أرتجف وأتقمص الرزانة واستقرار حنجرة الحوار: يا سلام.. جيران؟

كنا نجتمع على الرصيف قرب شجرة وارفة، ويدي تقربهم إلى الظل بحنان ومحاولة استعطافهم، قالوا وبصوت موحد أضحكني فجأة، وبصوت عال كأنهم يطلقون تحية صباح الخير عند دخول المعلم في الصباح:

نعم إحنا جيران!

وهنا استبد بي الألم بأعظم مما كان.

قلت: خلينا نمشي مع بعض يا حبايبي، وبدأت أمشي بتؤدة ونتحدث، والمعتدى عليه يمشي تحت كفي على كتفه.

مشينا حتى وصلنا شارع الجيران، ونحن نتحدث ولم أتوقف عن الحديث عن المدرسة والتعليم عن بعد والمحبة والزمالة والحنان وشيء غير مباشر من الأخلاق.

كل هذا خوفا على الطالب، وخوفا من الاستفراد به لو غضبوا مني، حتى تمكنت من الشجاعة وطلبت منهم الاعتذار له.

وعند وصول بيته، فكرت بزيارة أهله والدخول معه، لكنني في الثانية الحرجة، تراجعت (ريفيرس) وحسبت حسابا مهولا بإحداث خلاف إضافي، وقلت في نفسي: الأمور تمام وهذا جل ما أطلبه من الله، الموعظة الحسنة، لم أطلب منهم الاعتذار لزميلهم، ونحن نقف والناس يمضون ولا يلتفتون نحونا مما طمأنني بأن الأمر سلسبيل ولأرجع في حال السبيل.

قلت وأنا أتطلع في وجوههم البريئة المصاغة بالإهمال مدرسة وبيتا وطريقا ومجتمعا يمشي بلا اكتراث: خلص يا حلوين يا أحلى الشباب، من اليوم وطالع ما نمزح ونجرح بعضنا؟

وهنا برزت المفاجأة: هجموا على زميلهم يعتذرون، هذا يضع كفه على رأسه، وهذا يلمس كتفه: آسفين.. وذاك يتعهد بأن لا يمزح مثل هذا المزاح.

ويا لهول ما احتشد في دمي من ذهول خلال رجوعي لسيارتي، وقلبي يخفق رعبا ورضا وأسى وكدت أتوه عن سيارتي في زاوية الوطن، ورأسي يدور باحثا عن قلوب تتحدث للفتيان، وأعود بذاكرتي لمقالة كتبتها عام 1997 تحت عنوان (واأسفي على يوسف) وهو طفل بعمر الثانية عشرة، جلس عليه أصدقاؤه بمازحونه في الصف الخامس وبحضور معلمة الرياضة، ومات تحت ممازحة أصدقائه مختنقا، وعقلي يخشى على أجيال أهملت وضلت طريق المزاح وحفظت درس التنمر المباح.

(الدستور)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :