facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إنسانيّتنا المغيّبة


الامير الحسن بن طلال
25-06-2007 03:00 AM

تضعنا المأساة التي تهدد أهل غزّة أمام مسؤولية أخلاقية جسيمة. فهل نحن أهل لمواجهتها ، أم أن تفاقم الأحداث قد أفقدنا القدرة على تحسّس الألم ، وتلك هي الكارثة الأكبر.
صحيح أن هذه البلاد لم تذق طعم الاستقرار منذ عقودْ كثيرة متعاقبة ، ومؤسف جدّاً أن الأمور تمضي في اتجاه الأسوأ ، وأن المساعي التي بذلها أفراد وبذلتها مؤسسات ومنظمات وجمعيات قد عجزت بالرغم من نبل النوايا ، وصدق المقاصد عن كبح جماح التدهور ، وعن حماية الإنسان ، أي إنسان من شرّ ما يتهدّده ، ويزداد تهديداً كل يوم.
إنني أتساءل: هل بلَّدَ تعاقب المآسي أحاسيسنا وهل تسبب الفشل في إحباط أية مبادرة خيرة ، وأية دعوة لازمة ، لمواجهة ما يحل بالإنسان؟ إن كان الأمر كذلك ، لا قدّر الله ، فنحن في أزمة حقيقية تهدّد كل قيمنا ومبادئنا وما أنجزته على مدى السنين حضارتنا وتجاربنا. وإن كانت الحقيقة غير ذلك فكيف لنا إذن أن نفسّر هذا الانتشار الواسع للاأبالية وفقدان القدرة على الانفعال لما يحل بأهلنا وبغيرنا من بني البشر.
إنني هنا لا أتحدّث عن إنسان بعينه ، فقد ناديت باستمرار بإسقاط علامات التصنيف .Brand Names
ولا زلت أدعو ، وبكل قوّة ، إلى النظر للإنسان في كينونته المطلقة ، لا من خلال عرقه أو دينه أو جنسه أو لونه ، ولا حتى من خلال انتمائه السياسي أو الفكري أو العقائدي. كما إنني لست معنيّاً بالصراعات السياسية الدائرة ، والتي تجاوزت في غلوّها كل حدود العقل والمنطق: والتي طغت آثارها المدمّرة على أكثر ما بناه الإنسان ، على مدى القرون ، من قواعد وأعراف وقوانين للتعامل الراقي والتواجد السلمي والتعاون من أجل إعلاء صروح العلم والحضارة والتقدّم ، وكذلك التغلّب على الآفات التي تهدّد وجودنا ، بيئيّة كانت أم صحّية أم اجتماعية أم اقتصادية.
ما يعنيني ، وقد نذرت جل جهدي من أجل خدمة الناس ورعاية حقوقهم ، نذرت معظم سنين حياتي داعياً لمحاربة الظلم ، والفساد ، والتطرّف ، والتعصّب ، والجهل ، والعنف بشتى أشكاله من جهة ، وساعياً للدفع بكل ما هو نقيض ذلك من جهة أخرى ، ما يعنيني أن أجد نفسي مطلاًّ بعد كل هذه السنين على عالم مهدّد أمنه وسلامه ، مبدّدة مقدراته وثرواته ، عالم تسوده الشرور والأنانية والكراهية ، عالم يستبد فيه الإنسان بأخيه الإنسان بقسوة لم يسبق أن خبرناها في أظلم العصور وأحلكها.
ما يعنيني الآن ، والألم يعصر نفسي ، أن أطًلَّ على عالم تسقط فيه القيم وتستباح فيه الحقوق وتدنس فيه المبادئ الأخلاقية ويسود فيه الظلم والتعسّف وتحل فيه شريعة الغاب ، واستبداد القوّة العمياء ، مكان ما أنجزته البشرية من القوانين وقواعد التعامل وأصول التفاعل بين الأفراد والجماعات بكل صيغها وأشكالها.
لكنني الآن أتحدّث عن مأساة محدّدة هي مأساة أهل غزّة ، تلك الرقعة الصغيرة من الأرض التي يقطنها ما يقرب من مليون ونصف مليون إنسان: وأكرّر أنني أتحدّث هنا عن الإنسان ، أي إنسان ، لا عن مسلم ولا مسيحي ولا يهودي ، ولا عربي أو غير عربي: إنه الإنسان وحق الإنسان في الحياة الحرّة الكريمة المستقلّة ، حقّه في الحياة الآمنة المطمئنة ، وأخجل أن أضيف لذلك: حق الإنسان في لقمة العيش وشربة الماء ، كوني لا أريد أن أعترف أن القسوة قد وصلت حدّ ابتزاز الإنسان في لقمة عيشه ، وأن الهوان قد وصل بنا لدرجة استباحة هذا النمط من التعامل الدوني الهمجي الخالي من الرحمة والإنسانية.. النمط الذي لم نعامل به أدنى مخلوقات الله.
بعد الاحتلال لمدّة أربعة عقود متتالية ، وبعد التشرّد لفترة تجاوزت الستّة عقود ، تقع غزّة تحت الحصار ، ويمر أهلها بأشدّ المعاناة ، دون أن يرتكبوا ذنباً أو يعتدوا على حق أحد.
والآن يجدون أنفسهم بين عشيّة وضحاها ضحايا صراع مقيتْ بغيض. ولكن براءتهم من أي علاقة لهم بهذا الصراع ، لم تحل دون تحويلهم إلى ضحايا ، وإلى أدوات للابتزاز السياسي الخارج عن كل القوانين والأعراف ، وعن القيم الدينية والدنيوية وقواعد الأخلاق.
كثيرون هم المسؤولون عن هذه المأساة ، وكثيرون هم الذين سيتحملون المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تفاقم المأساة ونحن نشهد التهديد تلو التهديد بقطع الغذاء والدواء والخدمات والكهرباء والماء عن أهل غزّة في سجنهم الكبير: أو التهديد بأن ما يسمح له بالوصول إليهم لن يتعدّى ما يحول دون الفناء لا رأفة بهؤلاء الناس ، بل تجنّباً للفضيحة فيما لو مات هؤلاء الناس جوعاً وعطشاً وحرماناً.
لهؤلاء الناس حقوق شرّع بها الخالق أولاً وحدّدتها القوانين الدولية ثانياً ، وعرّفتها القيم الإنسانية ثالثاً. فمن له بعد ذلك الحق في حرمان هؤلاء الناس منها؟ وأين التبجّح المستمر بالديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان ونحن نشهد انهيار كل ذلك؟ وأين التشدّق بالحديث عن السلام والأمن ومحاربة العنف وتصرّفاتنا تزرع بذور العنف والتطرّف كل يوم.
لا بد من صحوة من كل من ينادون بهذه المبادئ والقيم. لقد استبد الفساد في الأرض وانتشر الشرّ ونحن جميعاً مهدّدون ، ونحن جميعاً محاسبون.
إنني أناشد "المجتمع الدولي" وأناشد كل حرّ في هذا العالم أن نعيد النظر في أنماط سلوكنا وأن نعيد الأنسنة لمشاعرنا المتبلّدة. وأن نتعامل مع الإنسان في إطار إنسانيته وحقوقه. لعلّ هذا النداء الصادر من عمق الألم يحول دون حرمان الإنسان ، أكرم مخلوقات الله ، يحول دون حرمانه من كل حقوقه.
لا يفوتني أن أذكر أنني أكتب هذه السطور في اليوم الذي خصصه العالم من كل عام للاجئين ، الذين يكادون يصبحون الأكثرية في عالمنا المعولم.
والجماعة التي أتحدث عنها هي الأشد معاناة بعد أكثر من ستة عقود من اللجوء والتشتت. إنني أتساءل: هل حان الوقت لمؤتمر دولي للسكان - وقد دعوت لذلك أكثر من مرة - أم أن علينا أن نتهيأ لنقف على أبوب ستة عقود أخرى؟ هلمّ نحول دون تسجيل المزيد من السوابق التي ، إن تراكمت ، ستدّمر حضارتنا وتدمر وجودنا.
ہ رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه: سفير الإيسيسكو للحوار بين الثقافات والحضارات: رئيس شرف منظمة المؤتمر العالميّ للأديان من أجل السلام.(عن الدستور)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :