facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في عمّان وحولها: سياحة على خريطة العهد القديم


شادي لويس
31-10-2021 03:39 PM

كنا على بُعد ساعة من العاصمة الأردنية، ربما أطول من الساعة قليلاً أو أقصر قليلاً. غادرنا شوارع عمّان المزدحمة بالعبور إلى أفق الصحراء، لم يكن هناك الكثير مما يلفت النظر إليه، باستثناء مزارع صغيرة للموز متناثرة وسط الرمال. وبالقرب من وجهتنا، وصلتني الرسالة النصية من شبكة هاتفي البريطانية: "مرحباً بك في إسرائيل"، ومعها لائحة بكلفة إجراء المكالمات وتبادل الرسائل النصية. لم نكن قد وصلنا الحدود بعد، إلا أن الدوائر التي ترسمها أبراج الجوال في الجانبين، لا تلتزم بدقة بالخرائط، حتى الخرائط هنا تتزحزح كثيراً، تُمسح ويُعاد رسمها كل حين وآخر، والناحية الأخرى تبدو قريبة جداً، أكثر من اللازم.

التقط راديو السيارة إذاعة بالعبرية، كان الصوت واضحاً ونقياً، ونقلنا مضيفنا سريعاً إلى محطة أردنية. كان برنامجاً حوارياً عن تقرير اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، أو ربما تخيلت هذا، فجميع من قابلتهم في رحلتي القصيرة إلى الأردن، تحدثوا عن الأمر، ولم يثبت في ذاكرتي الكثير مما قيل. بعض تمنيات بخصوص مَلَكية دستورية غدت قريبة، وخلافات دقيقة حول نسب تمثيل أقليات الشركس والمسيحيين والشيشان في البرلمان، وبعض نقاشات حول امتيازات العشائر الأردنية.

حين وصلنا إلى منطقة "المغطس"، كان علينا الترجل من السيارة، قيل لنا أن المنطقة عسكرية. وبحسب الكتاب المقدس، كانت تلك برية الأردن التي اعتزل فيها يوحنا المعمدان، وعلى حدودها تعمّد المسيح. وانتظرنا الباص مع السائحين الآخرين. كان بعضهم من السياح الأوروبيين، والبعض الآخر كان من الصعب التكهن بهوياتهم. وجلس شاب من هؤلاء بجانب مضيفي في الباص، وبدأ حوار صغير معه بالإنكليزية، وخمّنا من اللكنة أنها إنكليزية مخلوطة بالعبرية، وتحيرت قليلاً لماذا يأتون إلى المغطس من تلك الجهة، وليس من الناحية الأخرى.

ترجلنا مرة أخرى، فالباصات لا تذهب أبعد من تلك النقطة، وكان علينا السير على الأقدام حوالى عشر دقائق، ومن بعيد رأينا منارات ثلاث كنائس متجاورة، بدت جميعها شاهقة على خلفية الصحراء المنبسطة، وأخبرنا المرشد بأن واحدة هي كنيسة للأرمن والأخرى لوثرية، أما الأخيرة التي لم ينته تشييدها منذ عقد ونصف العقد فهي قبطية، فأعدت النظر إلى برجها وبدا معمارها القبطي المألوف أكثر وضوحاً، ولم يستطع المرشد الإجابة عن سؤالي حول أسباب تعثر أعمال الإنشاءات.

كان مشهد المغطس مثيراً للأسى، حفرة صغيرة فيها قليل من الماء، بقُطر لا يزيد عن نصف متر، ولا يزيد عمقها عن سنتيمتر أو اثنين. وبدا من نقاء الماء، إنه تم جلبه إلى الحفرة من مصدر للمياه المعالجة، صنبور على الأرجح. وفي الجوار، انتصبت لوحة رخامية تصوّر بابا الفاتيكان بصحبة العائلة الملكية الهاشمية. أما نهر الأردن نفسه، فكان على مسافة خمس دقائق، وأخبرني مضيفي بأن ضفاف النهر كانت تصل إلى المغطس قبل تحويل إسرائيل مياه بحيرة طبرية.

في النص المقدس، لنهر الأردن مهابته، إنه أقدس الأنهار، النهر بألف لام التعريف. خالجتني مشاعر متضاربة حين وقفت على ضفته، الماء عكر وراكد، بعرض خمسة أو ستة أمتار، كان هذا كل ما تبقى من النهر.

أخبرنا المرشد بأننا كنا مخطئين، لكنة الشاب الإنكليزية الثقيلة لم يكن مصدرها العبرية، بل السريانية. التف عدد من النساء والفتيان وتحدثوا بها وهم يتبركون بمياه النهر، كانوا من مسيحيي العراق، وكنت أود لو أسأل إن كانوا في زيارة للأردن، أم أنهم ممن نزحوا إليها بعد الاحتلال الأميركي لبلدهم.

نادى واحد من السائحين الغربيين على رجل يقف على الجهة الأخرى: "ما الذي هناك على ضفتكم؟" وأجابه الرجل منتشياً، "إسرائيل". "حسناً وماذا لو أردنا العبور إليكم؟"، وجاءه الجواب بانتشاء أكبر: "مرحباً بكم!". في الأعلى وقفت مجندتان إسرائيليتان، في عمر المراهقة أو أكبر قليلاً، كانتا مستندتين على سور أمامهما، في دعة، ولم يظهر سلاحهما، وبدا عليهما الملل وفضول متراخٍ تجاه ما يحدث في جهتنا.

وحين هممنا بالمغادرة، لوّحت مضيفتنا إلى الجهة الأخرى، وصاحت "هذه فلسطين وليست إسرائيل"، وأظن واحدة من من المجنّدتين ابتسمت، بلا شماتة وبلا تحدٍ، كانت ابتسامة لا مبالية أو ربما مبتهجة بالحدث الصغير الذي حرك مياه يوم خدمتها الراكد الطويل. ومن ناحيتنا، همهم الجندي الأردني، موافقاً على صيحة صديقتنا، كان وسيماً وممشوق البدن، وكان يحمل سلاحاً.

في اليوم التالي، ستصطحبنا صديقة أخرى إلي جبل "نيبو"، وقبل أن نهم بالصعود، ستصلني رسالة نصية على هاتفي: "مرحباً بكم في فلسطين". هنا، وبحسب التوراة، وقف موسى ونظر إلى أرض الموعد من بعيد ولم يدخلها. أريحا كانت على بعد عشرين دقيقة منا بالسيارة، وقفت وتجولت بعيني في الأفق المنبسط، وتذكرت الخرائط الملونة في الطبعات العربية للكتاب المقدس، ودروس مدرسة الأحد عن ممالك بني عمون وموآب والأموريين، ولحظتها خطر لي أن تلك الحدود كلها رسمها البريطانيون لتتطابق بحذافيرها مع قصص العهد القديم.

المدن





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :