facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حلوى ستنا مريم


د. عائشة الخواجا الرازم
12-11-2021 12:10 AM

رحم الله أمي، التي كانت تسلق البيض في عدد من الطناجر، في حياة بريئة فتتشكل في عمرنا أجمل بهجة !

فتضع مجموعة من البيض مع قشر البصل للسلق على نار البابور المتوسطة الحرارة، فتنزل الطنجرة وتضعها جانبا ونحن نتهيأ لانتظار الطنجرة الثانية التي أضافت أمي على مجموعة البيض فيها قطعا من الشمندر ثم تضعها على البابور، ونحن ننتظر ونسترق المتعة نحو صواني القش المستديرة الملونة كيف ستمتلىء بأجمل سطور البيض.

ننتظر على أعصابنا حتى تضع الطنجرة الثالثة ومعها ملعقة من الكركم وبعد أن تبرد الطناجر الثلاث، قليلا تبدا أمي بالتقاط كل بيضة دافئة بأصابعها الجميلة الطويلة التي كانت تشبه أصابع أشهر عازفي بيانو المحبة في زمن الالتئام الإجتماعي الجميل . وتهندسها بألوانها الثلاثة حتى لتبدو لوحة بارزة المعالم المبدعة الجميلة حاملة ثلاثة ألوان من ( الأصفر والبني والخمري ) فتصطهج طفولتنا ولا نطلب تفسير الامتناع عن تقشيرها وأكلها.

فكل ما كان يتملكنا هو الحفاظ عليها زينة للهواء وموسيقى عيد لا نعرف هل هو عيد على الأرض أم عيد بين غيوم السماء.

كل ما نعرفه أنه عيد متماسك غير مسموح لنا أبدا بتفتيش (وتفغيش) البيض والتهام هذا الرمز البديع فيه ولا بعده ولا قبله.

تدعونا أمي لمساعدتها في تصفيط البيض في (سلات القش ) التي نسجتها أمي ملونة بتخطيط لون علم أو لون طبيعة أو ألوان مبهرة الخطوط اللولبية بالصنارة من قش سنابل القمح من الحقل المحيط لبيتنا في أريحا.

حيث كنا ونحن صغار نتصيف باقات السنابل من وراء الحصادين ونرتبها كما نرتب باقات الورد ونربطها بقشة طرية لا تتقصف ولا تتكسر وتزينها أمي بربطة ساتان مثل وردة يدوية . فتضعها في زاوية ( سقيفة الاستقبال )

نضع مع أمي السلال الحلوة في وسط السقيفة الواسعة المفروشة بفرشات الصوف المخططة بألوان مبهجة للبصر كأنها لوحات موندريان، فتنزل امي فرشات الصوف السميكة من ( مطوى ) الفراش وتروسها بالمخدات التي طرزت أمي على خاصرتها أروع الآيات والورود وطقم البلابل بقطبة الغرزة النسلة . تغلفها بعبارة نوم الهنا.

كل شيء يبدو مبتهلا مبتهجا بانتظار طرقات الباب وحضور الجيران بينما (شاف ) العصير الذي امتلأ بعصير البرتقال الذي عصرته أمي بيديها بعد أن قمنا أنا وأخوتي في الصباح الباكر بجمع البرتقال المتساقط ثمرا على تراب بيارة موسى العلمي المجاورة لأسوار بيتنا.

حيث لا يغضب كلب البيارة علينا كلما زحفنا من تحت الأسلاك الشائكة ورحنا نملأ الأكياس الجميلة بكل ما تجود به أشجار الحمضيات المجاورة المحيطة لبيتنا المزروع عنبا وتينا وعمالقة من النخيل العالي يحرس ثمار الجنة في حوش الدار الواسع المغروس بالنعناع المجلل بالجوري.

تتفتح أزهار القواوير البنفسجية(أزهار المحكمة ) التي تتفتح في الصباح وتغلق براعمها ونوافذها في العصر بهجة وسعادة

وملابس ملونة أحلاها فستاني البرلون الممنهج بالياسمين الأبيض على أرضيته الكحلية الذي اخترت قماشته من قفص بائع القماش ( أنور الراعوش ) من على ظهر جحشته البيضاء التي يتزين عنقها بقلادة زرقاء وتتنشنشل من على ظهرها تحت القفص طراحة كالسرج مطرزة بهية، أنور الذي يدور بين البيوت لجذب انتباه الأمهات لشراء أحدث ستايلات الأقمشة الفرنسية للبنات وينادي :

قماش فرنسي وافرنجي

حرير افرنجي ابرنجي

وأعذب نداء كان حينما تخرج الأمهات للإطلاع على أحدث الأقمشة كانت (جحشة الراعوش ) تنهق بسعادة يسمعها أهل أريحا والنويعمة بأسرها!

نزهو بحياة تعتبر من آثار العز الاجتماعي والإنساني، ونزهو مجتمعين حول المستنبت حيث نسمع أصوات أجراس دير قرنطل في أعلى الجبل المواجه لبيتنا في النويعمة.

ويبدأ الزوار في المساء ويحمل الأطفال هدايا البيض!ونحضر معنا البيض بألوانه من بيوت الجيران والأحباب.

نجمعه وكأنه شجيرة تنبت في القلب لم أشهد أنه انكسر أو تفتش ما في بطنه.

كان ذاك البيض جميلا متماسكا ألوانه فرح ونشوة للناس.

ولا تخلو أيدينا من مصاصات الحلوى الشهيرة (ستنا مريم ) بتول النساء في الأرض . والسماء ...!

الدستور





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :