facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الدانوب .. دائماً أزرق!


سليمان قبيلات
06-01-2022 12:32 PM

لم يجترحْ الفنُّ العربي معادلاً موضوعياً للسيمفونية الغربية، لأسباب تتصل غالبا بالفرز الاجتماعي الذي كان متباينا بشدّة وما يزال في أوساط المجتمع العربي على امتداد جغرافيته، من جهة والمجتمعات الأوروبية، من جهة أُخرى.

فالثابت تاريخيا، أن السيمفونية أتت بنت مجتمع كان يغذُّ الخُطى حثيثاً نحو فرز طبقي أدّى إلى تسيّدِ البرجوازية في مجتمعها الغربي، مع ما يستتبع من تحولات في الذائقة الجمعية صوب نسق موسيقي يروي قصة فردية فيها ظلال عميقة لروح المجتمع.

فلو اخضعنا اسماعنا قبل قرن أو أكثر لسيمفونية "الدانوب الأزرق" للفنان الخالد يوهان شتراوس، لما اغرقتنا بكل هذا الحضور الطاغي للموسيقى وهي تروي حكاية نهر وأمّة.

حكاية المقاومة غداة هزيمة فيينا امام بروسيا هي ثيمة السيمفونية التي اراد شتراوس ان يؤججها في مشاعر الناس والنخبة على حد سواء. فزُرقة الدانوب كما تبوح الموسيقى خالدة خلود الازل. تنقلنا السيمفونية من دهشة الى دهشة لا متناهية، وهذه التي تعيد الذات الانسانية الى مجدها وسويتها مهما تقلبت الظروف . اراد شتراوس بالموسيقى ان يقول ان بقاء النمسا وعدم ارتهانها للاستلاب هو الحقيقة التي ستقلب الاوضاع رأسا على عقب. وهي الحقيقة التي تركن اليها الامة في لحظة مواجهة الذات، اذ بلغت رسالته اهدافها ومسعاها فكان ان غدت السيمفونية معادلا لنشيد وطني يوحد النمساويين من الاعماق ويبعثهم من جديد رغم الهزيمة.

كان شتراوس مقاوما من طراز مختلف، اذ طوّع الموسيقى لخدمة بعث الامل في النفوس الكسيرة؛ وهو ما ادركته النمسا في اعماقها التي حركها شتراوس بعدما أحالها لحنا خالدا للبقاء والصمود .

يقال ان كل أُمّة تبتدع طرقها في التعبير الخلاّق عن ذاتها في الملمّات. وهي ميزة للامة التي تشبه الفرد وإن إنكسر في سياق الحياة. وسمة الكلاسيك الاوروبي الموسيقي بما هو تجسيد لفن الطبقات التنويرية التي كانت تنهض بمهمة اسقاط الاقطاع المتخلف، كانت فارقة في سبر اغوار النفس البشرية والسيكولوجيا الجمعية للناس عشية التحولات السياسية والاجتماعية العميقة التي قدمت ونادت بها الطبقة البرجوازية. فهذه الطبقة هي التي قادت التحولات العميقة وبنت دولتها اي دولة الامة على انقاض الاقطاع الذي كان أصم الحواس أمام حركة التاريخ.

ولعلّ فكرة المعادل الموضوعي العربي للسيمفونية الغربية لا تكون موفقة تماما نظرا للاختلاف الجوهري بين العرب واوروبا لجهة التأثير في التاريخ وتوجيه دفته. بل ان هناك رأيا باسانيد كثيرة يقول ان التاريخ الحديث هو تاريخ القارة العجوز الذي لم تلبث طويلا بين فكي الاقطاع نتيجة ظروف ادت الى انفكاكها على يد الطبقة البرجوازية التي اطلقت قوى المجتمع ووجهتها لخدمة مشروعها في الدولة الامة القائمة اليوم.

كانت اوروبا تتعافى من سجن الاقطاع بخلاف العرب الذين ظلوا اسراه حتى اللحظة؛ وهو ما يفسر الغياب عن خريطة الفعل الموسيقي العالمي منذ قرون .

لم تتشكل طبقات عربية منتجة للتغيير على مختلف الصعد، فظل الارث العربي الموسيقي والادبي، هو ملاذ الامة في الملمات. فلم تتطور اشكال جديدة تعبر عن تحولات كبيرة على المستوى العربي العام. ومما زاد الطين بلّة أن الاقوام التي حكمت العرب في بلادهم كانت تحاكيهم موضوعيا في مستويات التطور؛ اذ نحن واياها لم نتجاوز عتبة الاقطاع ومفاعيلها حتى اللحظة ربّما . حتى الرواية التي كانت تعدُّ عند كثيرين ابنة المدينة فانها عربيا لم تتبلور نهائيا الا في القرن العشرين، فيما سبقتنا شعوب اوروبا باشواط طويلة في صياغة ونحت الوان واشكال من التغبير الانساني الخالد، ولعل من اهمها موسيقى السيمفونيات الساحرة في تأثيرها وحضورها .

وصف شتراوس بملك الفالتس، لانه مطلق الدعوة لابهار الشعب بهذا النوع من الموسيقى. اما سيمفونية "الدانوب الازرق" فربما كانت ايحاء من الفنان العظيم اراد به الصراخ بان النهر العظيم الذي لعب ادوارا تاريخية في صياغة حدود الدول والامبراطوريات، باق كبقاء التاريخ وخلوده، مهما بالغت بروسيا وانتشت بنصرها في حرب الاسابيع السبعة على النمسا!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :