رحيل ترام الرمل : هدية كلية فيكتوريا للاسكندرية .. ل عبد الفتاح طوقان
04-08-2010 10:05 PM
الغاء ترام الرمل "بمدينة الاسكندرية " المصرية وانشاء مترو الانفاق هو عمل هندسي بارع يحل مشاكل المرور و التكدس خلال الصيف و كان من المفترض ان يكون منذ سنوات ، و لكن ما هي قصة ترام الرمل الذي تم تشغيله بواسطة خيول تجره المركبات عام 1860 ليربط شرق المدينة بوسطها، ثم اطلق عليها اسم خط فيكتوريا عام 1902 ، و لماذا تم تسميته بهذا الاسم ؟.
في الاصل كان هناك خط اطلق عليه اسم "باكوس" و يعود الى احد المناطق التى يسكن يها احد الاثرياء "باكوس" و يلتقي خط فيكتوريا و خط باكوس في اربع نقاط رئيسية هي محطة الرمل ، محطة فيكتوريا ،محطة بولكلي ،محطة مصطفى كامل حيث توجد الورشات للتصليح و التباديل. و يعتبر خط الترام هو اقدم ترام في افريقيا و بين الاقدم في العالم .
و كانت عربات الترام تنقل الركاب و تجرها الخيول ، ثم تحولت الى مركبات تدار بالبخار على غرار القاطرات ، الا ان تم البدء في تشييد اهم مدرسة في المنطقة و العالم تحمل اسم الملكة فيكتوريا ، افتتحتها عام 1903 بحضورها حيث يوجد لوحة رخامية على جدار المدخل الى قاعة الطعام التى تتسع الى ثلاثة الاف شخص تحمل اسم الملكة الراحلة.
تلك المدرسة "كلية فيكتوريا " التى ضمت ابناء مشاهير المنطقة العربية و حكامها و رؤوساء وزرائها و رجالات الاعمال الاثرياء بها و من ثم اصبحوا هم قادة الاعمال و السياسة و الفن على مستوى العالم ، كانت السبب الرئيس في تحويل خط ترام الرمل من مركبات تسير بالبخار الى مركبات تسير بالكهرباء ، و تم تحميل تكلفة التحويل المالية على مشروع كلية فيكتوريا بأعتباره الخط الذي سيحمل الدارسين في كلية فيكتوريا ، من و الى المدرسة في الاساس ، و اطلق عليه اسم "خط فيكتوريا " و تم تمويله على هذا الاساس . و ظهر الخط الى العمل عام 1902 و تم الافتتاح الرسمي لكلية فيكتوريا عام 1903 ، و ضمت بين طلابها جاسم الخرافي واخيه ناصر و عبد اللطيف الحمد و اخوانه و ال الغانم و البحر و المزيدي والامير على الصباح و عبد الله النفيسي من الكويت ، عدنان خاشقجي و اخوانه و كمال ادهم مدير المخابرات السعودية و غازي و غسان شاكر و عبد اللطيف الجميل و ابناء الشيخ محمد بن لادن و الامير عبد الله و محمد و فيصل و ووزير النفط هشام الناظر و ابناء عائلات الصبان و محفوظ و الشربتلي و الشوربجي من السعودية و الامام الصادق المهدي رئيس وزراء السودان و عائلة ابو العلا وكلاء المرسيدس و محافظ البنك المركزي السوداني ووزير المالية ، و ابناء عائلات مسقاوي و غندور و الحميضي و حمدان من لبنان ، و اداورد سعيد و همام الشوا و رفيق الحسيني و ابناء عائلات الفاروقي و الدباغ و من فلسطين ، و رجل الاعمال و المصارف خالد شومان في البنك العربي و الامراء زيد بن شاكر و رعد بن زيد و رئيس مجلس الوزراء و الاعيان زيد الرفاعي و سفير الاردن الحالي في القاهرة هاني الملقى و الوزير الاسبق المحامي عمر النابلسي والوزير حازم نسيبه وزير الخارجية و ابناء عائلة طوقان و نسيبه و مراد و عازر ورصاص وغيرهم من الاردن . و ليس هذا فقط فقد كان هناك بوجازية و بلتمر و بن حليم و بن كاطو و بو نخيله و المهرك ابناء العائلات الليبية العريقة و الثرية و كان هناك وزير المالية العراقي محمد الحديد (والد زها المهندسة المعمارية ) و العسكري و و الباجي جي وزير الخارجية و المرشح لرئاسة العراق الحالي و غيرهم و من سوريا و اليمن و غانا و ايضا جالية يهودية من امثال هنري بوليتي و حداد و شيكوريل و صهيون و عدس .و لم يخلوا الامر من وجود ابناء الجاليات الدبلومساية في مصر و التى منها فيرنار فيكسر الذي اصبح وزيرا للعدل المانيا و هو اصلا من ميونيخ . و القائمة تطول
ملوك و امراء كانوا في تلك المدرسة العريقة منهم من رحلوا على سبيل الذكر الملك الحسين من الاردن و الملك فيصل من العراق و منهم من لا يزال على قيد الحياة مثل الملك سيمون من اسبانيا و الملك قسطنطين من اليونان و ملك البانيا و ملكة السويد، و سلطان زنزيبار و امراء ال الصباح ومن امراء ال سعود بالمملكة العربية السعودية ، و من مصر منصور حسن وزير الثقافة و محمد منصور وزير النقل و الفريق فؤاد ذكري قائد القوات البحرية مستشار السادات العسكري و جلال زوربا عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني والفريق شرين اسماعيل عديل شاه ايران ووزير دفاع مصر والاميرة شويكار و الدكتور ادهم النقيب زوج الملكة ناريمان و عائلات البدراوي و حماده و النقيب و فرغلي باشا وشعلان و العلايلي باشا والكرداني و رئيس الديوان الملكي وسري رئيس الوزراء و الجمال و الهنيدي و رضوان و دوس و بقطر و قطري ومقار و يوسف للمجهورات و الالماس و ووالي و مصطفى و نوفل و الجزيري و لطفي و الكسنيان و عوض وعامر والوزير امين عثمان الذي اتهم السادات بأغتياله و حسن عيسى نائب مدير المخابرات المصرية وغيرهم من الشخصيات التى يذكرها التاريخ ثقافة و علما و مالا و سياسة و فنا . و هنا لا يمكن القفز على المبدعين من امثال المخرج يوسف شاهين و عمر الشريف و شادي عبد السلام و احمد رمزي و اخيرا نرمين الفقى و علا غانم من العهد الجديد في السينما .
كل هؤلاء درسوا في كلية فيكتوريا و كان لهم ذكريات و رحلات مع ترام فيكتوريا ، ترام الرمل لان اخر محطة كانت هي محطة الرمل حيث لا يوجد الا رمال انذاك .
لاجل هؤلاء اللذين يمثلوا الصفوة في مجتمع الشرق الاوسط ، و اللذين تم انتقائهم بعناية في العهد البريطاني لدخول تلك المدرسة المتميزة ، تم تحديث و انشاء ترام فيكتوريا الذي ادخل عليه نظام الكهرباء بعد ان كان خيولا ثم بخاري الحركة .
ليس ذلك فقط ، بل بعد فترة من انشاء كلية فيكتوريا ـ قام مجموعة من اولياء امور الطلبة ، بشراء ارض في منطقة كامب شيزار ، قريبة من كلية الهندسة الحالية ، و قاموا بالتبرع لبناء مدرسة لبناتهم و اخوات ابنائهم الدارسين في كلية فيكتوريا ، فكانت مدرسة الاي جي سي للبنات ، و التى هي ايضا احد ثمار كلية فيكتوريا.
اليوم ، جاء قرار الغاء ترام الرمل ، الغاء القاطرات التى كانت تمثل متعة التنقل لنا كطلاب كلية فيكتوريا، و الشريان الحيوي الذي ، ايام الدراسة ،كان في الصباح يماثل عربات خاصة مليئة بطلاب يلبسون الجاكيت الازرق و البنطال الرصاصي للقسم الثانوي ، و الجاكيت و البنطال الرصاصي للمرحلة الاعدادية و الابتدائية.
كانت عربات الترام شبه قطاع خاص لطلاب كلية فيكتوريا و كانت المدرسة تضع مشرفين في الصباح و المساء لمتابعة الطلبة و الحفاظ على سلامتهم، و كان الترام جزءا من المدرسة لا خارج عنها و يحمل اسمها . و في تلك الرحلات كثيرا من الذكريات و قصص الحب و المغامرات ، انها متعة لا تجدها في اي بقعه مواصلات ، حيث قرب الترام الطلاب و جمعهم في رحلة صباحية و مسائية. و ربط بينهم و بين المدارس الاخرى على الخط ، و لتلك قصص اخرى و حكايات.
كلية فيكتوريا ليست مدرسة ، و انما عامود فقري في تنشئة اجيال عربية و عالمية و توسعه مدينة و تقوية بينتها التحتية ، فكان مشروع الترام الكهربائي"فيكتوريا " هدية منها لمدينة الاسكندرية حمل اسم الملكة البريطانية فيكتوريا.
اليوم يٌزال الترام الذي كان يوما ما اصفر اللون ، ثم احمر اللون ، ثم ارزق اللون ، كان طابقا ثم طابقين ثم طابقا مرة اخرى، و التذكرة في الطابق الثاني الاعلى درجة ثاينة لا تتعدي نصف قرش لطول ثلاثين كيلومترا ، و الدرجة الاولى قرش صاغ ، و كانت هناك اشتراكات شهرية و سنوية ، و كان هناك مفتش و كمسري يقطع التذاكر و صافرة لكل محطة ، و اكشاك بيع الجرائد عند كل محطة ، و لقاءات حارة بين احباء و نظرات ، و مواعيد غرام.
اليوم سينزل الترام اسفل الارض مع تاريخ كامل امتد لاكثر من مائة عام ، و يبدء مشروع مترو الانفاق ، و لكن لن تنفق الذكريات الجميلة لترام فيكتوريا .
aftoukan@hotmail.com