حازم نسيبة .. يودع الحياة مبتسما
10-04-2022 03:38 PM
عمون - كتب الوزير الاسبق الدكتور صبري الربيحات:
لا اظن اني عرفت رجلا هادئا ورزينا وادعا وانيقا رغم اقتراب رحلة عمره من حاجز المئة عام كما حازم نسيبة. حتى السنوات الاخيرة تجده مواظبا على المشاركة في بعض الجلسات والندوات والاجتماعات التي يدعى لها وفي حضوره علم ورزانة ووقار يلزم كل من يجاوره على الاستمرار حتى وان خرجت الاجتماعات عن اجندتها.
كان وبقي النموذج الاوضح للرجل الذي يستدعى للعمل العام عند الحاجة ويودع موقعه بلا ضجيج او انفعال كما يفعل الكثيرين ممن يظنون ان الدنيا لا تصلح بغير حضورهم. فهو لا ينظر خلفه ويري في الكون متسع لكل قدراته ومواهبه وخدماته..
تتبدى على ملامح الرجل الذي تشعر برزانته التي غذاها المشأ وانضجتها التجربة فلا احسب ان هذا المقدسي السمح قد قابل احدا وهو متجهم او عابس فما ان يلمحك بعيونه حتى ترتسم على وجهه ابتسامة مؤنسة تشعرك بانك تجالس رجلا اقدم من التاريخ..
يأسرك السياسي المعتق بهدوءه ووداعته فيصف اكثر الاحداث صخبا ببرود وموضوعية لم نعتد عليها.. فتتعجب من اين جاء بكل هذا السلام افلانه ابن احدى العائلات المقدسية المسلمة التي حرست كنائس الشرق وحملت مفاتيحها ام لان الرجل مرتويا وواثقا فلا يحتاج ان ينال رضى هذا او يتجنب غضب ذاك.
ولد حازم نسيبة في العشرينيات من القرن الماضي لاسرة مقدسية عريقة وتلقى تعليمه الاساسي فيها... من اظرف ما سمعته يقول وهو يصف حدوث الهزة الارضية التي وقعت في نهاية العشرينيات انه يتذكرها لانه كان يراجع دروسه على شرفة بيتهم وقد تفاجأ باهتزاز المقاعد وسقوط جهاز تلفون بيتهم من على الطاولة..
كانت هذه الرواية كافية لي للتعرف على حجم الترف الذي تنعم به الدكتور حازم نسيبة في طفولته واثر كل ذلك على سمت الرجل الذي اختلف عن الكثير ممن عاصروه.
لقد امضى الدكتور نسيبة الذي عمل وزيرا وسفيرا وممثلا دائما وخبيرا ومستشارا في حكومات الاردن وعضوا في مجالس التشريع ورجلا من الرجالات الذين تحلوا بكل صفات المدنية والاستعداد للعمل بلا منة او ضجيج.
اليوم يرحل الدكتور نسيبة احد اكثر الرجالات الذين عاصروا هموم الاردن ورحلة تدعيم استقراره منذ خمسينيات القرن الماضي وربما اقدم وزراء الخارجية الذين تعلموا السياسة في معاهد الغرب واتقنوا ممارسة فنونها في عالم مضطرب تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه الرؤى التي لا يستطيع البعض اغفال ايا منها مهما كانت المبررات.
لقد كان نسيبة مخلصا لمهنته يؤديها ولا يحرص على العودة لموقع حل فيه الا اذا طلب اليه فهو عفيف واثق يابى التزلف ولا يعرف المناكفة او الحرد الذي اضعف حضور الكثير من اشتغلوا بالعمل العام. لقد كان نسيبة رجلا مهنيا وسياسيا محنكا وربما الاكثر الماما بالوصفة التي اكسبت سياستنا الخارجية رونقها وطابعها الذي لم يتبدل كثيرا.
اليوم يطوي حازم نسيبة اخر صفحة في سجل حياة حافلة عاصر فيها الاردن منذ العقد الاول لتاسيسة وخدم مشروعه بكل ما اؤتي من معرفة وقدرة ومواقف كما زامل كل الرجالات الذين ابقوا بصماتهم الخالدة على جدار زمننا فعرف هزاع ووصفي وعبدالحميد شرف وخبر دهاليز السياسة وتعامل مع دهاتها..
المدهش في سيرة حازم نسيبة انه لم يكن مدعيا ولا ناكرا ولنم يفرط في النفاق ولا احتكار الوطنية كما يفعل الكثير ممن بتصدرون المشهد..
الرحمة لروح حازم نسيبة واطيب التعازي لاهله وتلامذته وكل الذين عرفوه