facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




فرح


د. كميل موسى فرام
18-04-2022 09:43 AM

«فرح» ابنتي الكبرى التي تحكي مسرتي، وصلت لمرحلة الاستحقاق الزواجي؛ لا بل تزوجت، حكاية بدأت لتمضي السنوات بأيامها، نكبر فيها ونتعلم منها ولكننا نخسر من الرصيد العمري، نستعجل النهاية أحيانا لخلل بالتفكير دون إدراك، نسجل فيها إحداثيات رزنامة العمر بكل تفاصيلها، منذ الصغر حتى اللحظة، ونحفر بأيقونتها طموحات وذكريات لمسيرة نحاول تجسيدها، ولكن مراجعة لبردى الزمن، نجد هناك كثيرا من الأمنيات بمختلف مجالات الحياة، تحقق البعض منها بجهد وهمة والآخر قيد التنفيذ، وأعترف وشأني الكثير، بمحاولة الإبحار بعيدا عن شواطئ الواقعية أحياناً هروبا أو ضعفا، فافتقر سيناريو حياتي الشخصية لبعض المفاصل الحياتية المهمة؛ بعفوية أو انكار للواقع، لأجد ذاتي أمام مرآة الحقيقة، عندما يصبح الأبناء على موعد الزواج لبناء منزل جديد، استكمالا لسلاسل التكوين البشري، ليكون الامتحان الأصعب، الذي تكتب إجاباته بحروف من دموع العين، بالتزامن مع التوتر ومتاهات التفكير، مارست فيها دور القوي الضعيف لأن الحقيقة أقوى صنوف الواقع، فهناك عُرفٌ في أفراح زواج الأبناء والبنات منهم بالذات، أن تكون المناسبة الأسعد للوالدين ولكنها الأصعب أيضاً، تناقض فرض حضورا لم أتمكن من إنكاره، عندما احتفلت بزواج ابنتي الكبرى «فرح»، فبين أصوات الزغاريد والأغاني والرقصات، هناك دموع تحاول أن تتوارى عن الأنظار، ومشاعر مختلطة تُكْبَحُ لتطغى مشاعر الفرح التي يجب أن تزيّن يوم الزفاف، ابتسامة مصطنعة بقالب تمثيلي؛ عُرفاً، قد تبكي العروس ووالدتها وأخواتها فيجتمع حولهن الناس ويقفون معهن، ولكنهم ينسون والد العروس الذي لا يستطيع التحكم بمشاعره وحبس دموعه، لأنهم لم يعتادوا أن يروه حساساً وعاطفياً من قبل وهي تهمة بعكس الحقيقة، حيث دمعتي حبيسة قلبي، حاولت إخفاءها بقدر قوتي، ولكن أغادير الشعور تنضب ببرهة من الزمن عبر شريط ذكريات، يتدرج من الطفولة حتى تلك اللحظة الحاسمة التي لا ترحم.

عاداتنا وتقاليدنا تفرض على الأب تسليم ابنته لعريسها يوم زفافها، أمنية بدأت منذ الولادة واستحقت بظروفها، ذكرناها على هامش المستقبل، فخانتني دموعي دون إدراك، بالرغم من هول المشهد والدعم العائلي للصمود على أنغام موسيقية مناسبة للفرح، كنت أحاول أن أكون قويا كعادتي أمام والدتي والحضور، ولكنني أعترف بأنني الأضعف بينهم، كنت حريصا بعدم نقل عدوتي لإبنتي في برهة مشاعر مختلطة لن تمحى من الذاكرة، لأن دعائمها الفخر عندما وقفت شامخة متألقة «كعادتها» بيوم زفافها الذي يترجم مسيرتها وتاريخها الذي يمثل أنموذجاً وأمنية للغير، ممزوجاً بهاجس الخوف ترجمة لمعنى الحرص من المشوار الجديد، الذي تحدد تاريخه منذ الطفولة لا محال، مدركاً حجم الفراغ الذي ستتركه بعد زواجها لتبدل الأولويات كاستحقاق يُحترم ومطلوب، لن أتمكن من رؤيتها كل يوم، ستتبدل فقرات الحياة، وجزء منها في عالم الغيب رهين بظروف المستقبل، لن أستمع لأحاديثها وضحكاتها كفقرة عائلية، سأشتاق لمناوشاتها والفوضى الجميلة الناعمة التي تركتها وراءها في كل أركان المنزل، مناسبة فرح لمسمى تطلبت مني التحلي بمهارات الذكاء للاعتراف بهذه المشاعر وعدم إنكارها لأتدبر إدارتها بالشكل الصحيح، فهي مشاعر إيجابية بقالب الحب والعطف، تحتاج لفنون أدائية افتقرت اليها شخصياً فسقطت بأول امتحان.

حفل زواجك الرائع، بهذا الترتيب الذي اشاد به جميع من حضروه أو شاهدوا فقراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نثر السعادة على قلوب الحضور والمحبين، ترجم أمنياتهم بعبارات التهنئة التي حملت المعاني لشخصيتك الفذة العظيمة التي تسابق التحدي لتحقيق الطموح منذ الروضة والمدرسة والجامعة كطبيبة تطمح للمزيد الذي ستذهب اليه طوعا بعد اجتياز محيط الامتحانات، ولكنني لن أبعثر مسلسل أفكاري أمام الحقيقة، لأنني سأقف على باب غرفتك مناديا ومستنجدا بنصيحة حيث الصدى سيعود، سأتقدم بخوف حتى لا أزعجك بمنامك بعد فشل محاولات الأخوة، لأجد البيت خاليا من ثنايا شعرك الأشقر الذي يفوح عطر الفرح والطهارة والذكاء فوق وسادتك، لأتذكر أنك انتقلتي لبيت الزوجية الجديد مع رجل طبيب مستحق يقدر قيمتك بتعهد حماية داخل القلب والعقل، ستشرقين بمنزل جديد، ستنقلين الفرح لعش الزوجية، فتنقباض نبضات قلبي التي داهمتني بلحظات التسليم، أعادت شريط ذكريات حياتي لأنك المحرك العائلي والناصح، صاحبة الفكرة ومنفذة الوعد، سلاحك الأقوى بعين ثاقبة ساحرة.

في كل مرة أسمع فيها جورج خباز يغني «كبرت البنوته....كبرت ست الكل، صار بدها تتزوج...تتركنا وتفل»، كلمات محاكة بخيط الواقع، تصهر الصخر، وتقفز عن واقع الانكار، جعلتني أخاف من خيانة للعين تنزل الدمع دون تواصل، نزفت العين ودمع القلب، تسابقت نبضات القلب وتسارعت، واعتقدت أنني الأقوى، لكن الواقع غير ذلك، حاولت إخفاء مشاعري التي قرأها الجميع مطمئنا ذاتي بُنَيتي أنك زوجة للشخصية التي تستحقين، لكن ذلك لم يشفع أبداً على الفراق، وإن بدا متجلداً، ولولا أن الزواج استحقاق وحق، ما كنت لأسمح أن سوادك يفارق سوادي، ولا أظلَّكِ بيت غير بيتي، ولكن الزواج فيه من الفرح كاسمك يغمر الكدر الطارئ، يعيد الصفو الأصيل، ويجعل للحياة معنى مختلفا، فالسعادة التي امتزجت بدموع الفراق والانتقال لفقرة جديدة مع الفارس الذي اختاره قلبك وعقلك لبداية فصل جديد في الحياة، يشيد بطوب الطموح، وتأكدت أن الملاحَيْنِ في قارب الزواج متكاملون، حكاية أنموذج فتذكرت موقفي قبل ربع قرن عندما اقترنت بوالدتك، قصة نجاح بُنيتي فرح وأنت إحدى ثمارها وللحديث بقية.

(الرأي)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :