facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عائلاتنا الإلكترونية!


ابراهيم جابر ابراهيم
28-05-2022 12:19 AM

(تتفاقم)، وبسرعةٍ نعجزُ عن مواكبتها، تلك الاختراعات المسماة وسائل الاتصال السريعة، وبالتزامن، وبوتيرةٍ أسرع.. تتفاقمُ القطيعة!
تتكاثر البرامج النشيطة للتواصل: الماسنجر بأنواعه، الفايبر، الواتس أب، البوتيم، التيليغرام، وعشرات الأدوات التي تستدرج البشريَّ للجهر والقول، .. لكنه في كل مرة يواصل التكوّم على نفسه، وينزوي، ويتراجع الى عتمته بألم!

ذلك أن برامج التواصل هذه تستدعي صوته، وهاجسه، لكنها لا تستدعي جثته،.. بل تقترحُ تجميده في مكان موحشٍ وضيّقٍ وقليل الهواء، حتى وإن كان خلف شاشةٍ لامعة!

هؤلاء الكثيرون الذين يرخون آذانهم لسماعي، (في البرامج)، لا يلمسونني، ولا يمدّون لي يداً عطوفة.. هكذا يقول لنفسه البشريُّ في عتمته!

لم يذوقوا طعامي مرّةً، ولم يختبروا درجات بيتي. والأغراب يظلّون أغراباً ما لم يروا دموعي رؤي العين.

لكنّ العلماء لا يحفلون بالبشريّ، والأجهزة لا تُصاب برجفة يد، وتظلُّ تلدُ اقتراحات جديدة لتواصل بارد، وعائلة إلكترونية مجففة!

عائلةٌ لا ترقص ولا تحتفلُ بالشمس أو تطلقُ الزغاريد ابتهاجاً، ولا تدفنُ موتاها في تراب حارّ؛ .. فكلُّ ما يحدثُ هنا يحدثُ فوق شاشةٍ لزجةٍ وبملابس ممغنطة!

السلامُ يتمُّ بكفّين مُعقّمتين، وأصوات الناس مصنوعة وفق موجات مطيعةٍ ومهذبة: لا بحّة في الصوت، لا نشيج، لا يترقرق بالرجاء، ولا يتنهنهُ ولا يرجفُ ولا تلمسُ سخونة الأصوات بيدك!

البشريُّ الذي كان له ثلاثة أشقاء وسبعُ شقيقات يُثرثرون معاً على طاولة الفطور، لديه الآن ثلاثة هواتف محمولة، وحزمة برامج للتواصل بنغمات مختلفة، يضعها أمامه في كهفٍ بعيدٍ وفاخر!

كهفٌ موحشٌ وناءٍ لكنه ليس من الصخر، وجدرانه خمائل من الموجات والأضوية الدقيقة، ترابهُ مدروسٌ بعناية، .. كهفٌ لا تدخلهُ الريح إن لم تكن تحفظُ رمز الدخول!!

هنا يقيمُ البشريّ؛ قهوتهُ آليةٌ وبريدُهُ آليّ وأقرباؤه آليّون، وأفكارهُ حزمةٌ من الأسلاك.

لا دمَ على الأرض لكنَّ القتلى كثيرون.

من شقوق الكهف تدسُّ لهُ (الشركاتُ) كل يوم برنامجاً جديداً للتواصل، مرفقاً بقائمة من الرموز: وجه ضاحك، وجه عابس، وجه مستغرب، وجه يحمرُّ خجلاً، وجه مغتاظ، وجه يغمز بعينه، وجه يلاعبُ بلسانه، وجه يتساءل بحاجبه،…

فيضعُ البشريُّ وجوهه الكثيرة في خزانة ملابسه!

البشريُّ الذي كان من حقّهِ دائماً أن يركض حافياً وينامُ تحت أي شجرةٍ يجدها مناسِبة، صار هو بضاعةً مربحةً للشركات تحرصُ على صحّته فينامُ على طاولة المختبر تحت عناية مشدّدةٍ من طاقم العلماء!

لكنّهُ لا يحلم.

طاولة المختبر لا توفر له ضمن رعايتها الحثيثة ترف الحُلم.

تلك عادةٌ سيئة انقرضت مع النباتات الخضراء وأصوات الأطفال، والناس الذين كانوا يقفون لا إرادياً للنشيد الوطني!

(الغد)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :