facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تميّز باختلافك


سمية عبد القادر
29-06-2022 12:41 PM

يقول عز وجل في محكم تنزيله: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (النبأ 10-11)، لو تأملنا هذه الآية الكريمة لوجدنا أن الله بحكمته وقدرته خلق النهار مختلفًا عن الليل، وكل واحد منهما خُلق لهدف مقصود مكتوب في اللوح المحفوظ، النهار للسبر أعماق الحياة وخوض غمار تجاربها بخيرها وشرها، وشدتها ويُسرها، والليل للهدوء والسكينة والراحة فالآخر يكمّل الأول؛ فالليل يتبعه النهار، والنهار يتبعه الليل في نظام كوني محكم الاختلاف.

ومما يستحيل أن يكون تحت قبة الجدل، أن اختلافهما خير ليس لبني الإنسان حصرًا وإنما لكل من يسبح بحمده في عظمة ملكوته. وليس لنا أن نقول إن الليل أفضل من النهار قدرًا وأثرًا، فاختلافهما لغاية ربانية سامية شُرحت وفُصلت في القرآن الكريم غير مرة، ومنها ذات المرة التي يسألنا فيها المولى جلّ في علاه مستنكرًا على الإنسان كفره بنعمة الاختلاف بقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص 71-73) ويختم الاستفهام ليخبر الأنام أن الاختلاف رحمة؛ نعم! إنه رحمة ونعمة تستحق الشكر. والشكر يكون باليقن المستقر في النفس البشرية أن لا بأس في أن تكون مختلفًا عن الآخرين، لا بأس باختلاف أبنائك عنك واختلافهم فيما بينهم، لا بأس باختلاف نمط حياتك عن الآخرين، فلو شاء الله لجعلك نسخة طبق الأصل عمن تريد، ولكنه اختار لك أن تكون متميّزا باختلافك، لا بأس في كونك مختلفًا لأن الاختلاف سنة من سنن الكون فنبقى ضمن الفطرة الكونية التي فطر الله الناس عليها حتى لا ننخدع أو نتوغل بالاختلاف الذي يصل فينا إلى مرحلة المغالاة والتطرف والشذوذ، فلما الزيغ والبعد عما اختاره الحق لنا؟ وهل نستطيع أن نُكوّن أنفسنا بأفضل من تكوين أحسن الخالقين؟ بالطبع لا! ويكأنه عز وجل يرشدنا إلى تقبل اختلافنا الذي يتجذر في نفوسنا، لتَسْتَكِّن نفوسنا، فنُحْجِم عن مقارنة أنفسنا وحياتنا بحياة الآخرين، فنبلغ بذلك أقصى درجات الشكر للنعمة بالقبول والرضوان.

فالسر كامن في القبول والرضوان، ارض بما أرادك الله أن تكون مختلفًا فيه عمن حولك سلبًا وايجابًا فلقد فضل بعضنا على بعض كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الأنعام: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) (165)، ارض بنصيبك من الاختلاف عن الغير في الدنيا فأنت أنت كما أرادك الله. تقبل كل نقاط ضعفك وامض في صقلها حتى تقوى، وعلاجها حتى تصل للرشد، تقبل الهزيمة والانكسار والفشل واجعلهم نقطة للبداية من جديد، وكن على يقين أن إيمانك باختلافك يجعل تجاربك في الحياة دروسًا حياتية تتعلم فيها كيف تزن مرونتك النفسية، فلن تُحمل نفسك فوق طاقتها لأنك ستصبح قادرًا على استيعاب كل المشكلات والمصاعب بقوة داخلية تساعدك على أخذ المفيد وطرح كل ما فيه من الأذى لتستمر في التقدم، تمامًا كما يفعل جسمك بالغذاء يأخذ ما يحتاج ويطرح ما يؤذيه وبذلك تمتلك جسدًا صحيحًا قويًا خالٍ من العلل والأمراض، وكذلك النفس إذ مرّنتها على هضم المواقف والتجارب لتأخذ المفيد وترك كل ما من شأنه أن يُلوّن بقلبك رقعة سوداء تزيد وتكبر كلما اتسعت وكبرت رقعة المقارنة بالآخرين، وبازدياد هذه الرقعة يقل الرضا ويزيد السخط فلا تعرف على من تصب سخطك، على نفسك؟ أم على أهل بيتك؟ أم على مجتمعك؟ أم على الكون بأسره؟ ويبقى السخط سيد حياتك حتى تُكسر شوكته بالقبر، فلم تنل من خيري الدنيا والآخرة.

تميّز باختلافك وإياك أن يغزل الغرور بالنفس خيوطه الخفية بين مغزلي الاختلاف في نفسك، فتحجب بصيرة قلبك عن مواطن الضعف فيها، فترى نفسك كاملًا منزهًا عن الخطاء والعيوب، فالكمال لله وحده، تقبل اختلافك وانظر إلى تلك المغازل ببصيرة غيرك لترى تلك الخيوط الخفية التي حُجبت عن بصيرتك بعيون غيرك. تميّز باختلافك واسع نحو الجد والعمل وعدم التواكل بذريعة أن الله أراد لي ذلك، أما ترى أن الليل والنهار في تعاقب مستمر يمضيان في اختلافهما دون تقاعس أو كبر أو غرور. تميّز باختلافك تجد عالمك لوحة جميلة من الاختلاف، تمّيز باختلافك تجد سلامًا داخليًا في نفسك ينتشر عبقه طيبا في روحك، تميّز باختلافك لتواجه كل ظروف حياتك بعزيمة وصبر، تمّيّز باختلافك تجد الحب في نفسك للآخرين والفرح لنجاحهم، تميّز باختلافك لتكون قادرًا على تحمل كل ضغط من حولك، تميّز باختلافك وتقبل اختلاف الآخرين، فكلٌ مختلفٌ باختلافه، تميّز باختلافك.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :