facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الشمس مشرقة


طاهر العدوان
22-12-2010 03:31 AM

في احدى زياراتي لدولة اشتراكية اجنبية ذات نظام الحزب الواحد , انهال علي ّ مرافقي وهو مواطن من ذلك البلد , بالاسئلة التي تتعلق ببلدي وبالبلاد العربية, وهو ما ضايقني فقررت ان أمارس الدور نفسه, فبدأت بتوجيه الاسئلة اليه حول الاوضاع في بلاده, لكني لم اتلق اجابة واحدة بل ابتسامات بلهاء, وعندما شعر بأني متضايق منه سكت برهة, ثم قال وعلى فمه الابتسامة نفسها: الشمس تشرق من الشرق يا رفيق. وفهمت انه يتهرب من قول الحقيقة.

اتذكر هذه الحادثة وانا أقرأ واسمع مثل هذه العبارة تتكرس وتتكلس في كل خطاب يُقال في المناسبات الكبيرة والصغيرة, وكأن مخاطبة المسؤول لا تستقيم من دون حشو مثل هذه العبارات التي لا تضيف شيئا ولا تأتي بجديد. والمقصود بها دائما تقديم المدائح لافراد ومؤسسات ليسوا بحاجة لها, واعلان "ولاء وانتماء" ليس محل بحث او جدال, حتى اصبح من الصعب على اي شخص ان يتجنب تناولها في حديثه امام المسؤولين وهي جميعا كعبارة "الشمس مشرقة".

في بداية عهد الملك عبدالله الثاني, دعيت مرة الى اجتماع عقد في الديوان الملكي لحضور تقديم عدد من المسؤولين عرضا امام جلالته عن المشاريع المتوقعة في منطقة العقبة الاقتصادية, التي كانت لا تزال مشروعا او فكرة مطروحة, وفوجئت باسلوب الخطاب المتداول من قبل الحاضرين من الرسميين, فلم يأتوا ولا مرة على عبارة مثل "الشمس مشرقة", بل كانت الاحاديث تدخل مباشرة في صُلب الفكرة وتعرض الرأي من دون مقدمات ولا أهازيج ومدائح.

في مناسبات مماثلة واثناء وبعد كل زيارة يقوم بها جلالته الى المحافظات, سمعت ملاحظات من نخب سياسية واجتماعية تتذمر من الوقت المخصص الذي يُمنح للمسؤولين في المحافظة ووجهائها للحديث امام الملك الذي لا يتجاوز من 5-7 دقائق, لكنه وقت يتركز على المطالب والارقام والانجازات واعتقد ان كل حشو آخر فيه من نوع "الشمس مشرقة" هو اجتهاد من صاحب الكلمة.

أدركت منذ وقت مبكر ان الملك لا يطيق سماع عبارات النفاق ولا يشعر بالارتياح أمام المدائح التي "تخطف" اهداف المناسبة وتهدرها وبان مسألة تحديد الفترة الزمنية لكل متحدث امام جلالته هي اداة لتطوير فحوى الخطاب امام المسؤول, سواء كان هذا الخطاب من الموظفين الكبار في الدولة أم من ممثلي المجتمع المحلي, تطوير يرقى بالوعي الوطني ومحاولة جادة للاهتمام بالاعمال لا بالاقوال وبالارقام لا بالاوهام, فزمن الخطابات التي لا تحدث فرقا وتحاصر المسؤول والمستمع بالملل والشعور باليأس من اصلاح الاحوال قد ولّت. ونحن نعيش عصر ما بعد الحداثة, وفيما ابناؤنا واحفادنا الصغار يقضون اوقاتا طويلة في التعامل مع "النت" والمعلومة السريعة اصبح الايجاز في الخطابات مطلبا وطنيا, وليتنا نقتدي بما استنه الملك من اسلوب حضاري وعملي عند لقاءاته مع ابناء شعبه.

في كل بلد يتمتع بالديمقراطية المؤسسية والاعلام الحر تجد القضايا العامة طافية على السطح, فهي هاجس المسؤول ومركز اهتمام الرأي العام وجوهر حواراته وجدالاته الوطنية, قضايا تنحصر في عنوان واحد او عنوانين, فأنت تعرف مثلا - حتى لو كنت عابرا في هذه البلدان لبضعة ايام - ما يشغل المجتمع والدولة, بالمقابل لو استمعت الى عشرات الخطابات والمقالات والحوارات في الاردن ستغرق في العدد الهائل من العناوين المفتوحة والمطروحة, من الجميع وعلى الجميع, بما يخلق ضبابا يغيّب الرؤية ويشتت الرأي العام.

لقد حدد خطاب العرش (7) محاور طالب الحكومة بالعمل عليها, وكانت فرصة لو ان كلمات النواب تمحورت حول هذه المحاور, وخلق جو من الحوار حولها, حوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية يفيد الرأي العام وينبّه مجلس الوزراء للمطالب والملاحظات, وايضا التحديات التي تفرض تقديم اجوبة عليها من الحكومة, فجلسات الثقة فرصة للنواب لكي يحاكموا ويحاسبوا اداء الادارة الحكومية, بما في ذلك كفاءات اعضاء مجلس الوزراء خاصة ان معظم الوزراء يتبوأون مناصبهم منذ عام كامل وبقيادة رئيس الوزراء نفسه, مثل هذا كان سيخلق وضعا يضطر فيه الرئيس للدفاع عن وزرائه بحيث تكون الثقة الممنوحة هي للحكومة وللوزراء كذلك, واحدا واحدا.

taher.odwan@alarabalyawm.net

(العرب اليوم)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :