facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عبدالرحمــن بــدوى .. المعلم الثـالث .. مقـــال فى الإنـصــــاف!


ابراهيم العجلوني
23-12-2010 08:54 PM


كان يمكن لهذا المقال أن يصدر فى صيغة أولية، بُعيد صدور كتاب الدكتور مراد وهبة: «مُلاَّك الحقيقة المطلقة» قبل ثلاث سنوات على وجه التقريب، حيث كان قد اتسع مجال النظر فى مسافة الخُلف بين ما ذهب إليه صاحبه من رفع راية النضال ضدّ الروح الدوجماطيقية، وبين ما انتهى إليه من أحكام اعتنافية فى حق كُلٍّ من «العقاد» و«بدوي»، ومن تقديمهما على نحو يخالف حقيقتهما.

لقد بدا أستاذنا الفاضل كما لو أنه لم يصبِّر نفسه، لسبب أو لآخر، مع إنتاج هذين العَلَمين، الغزير كمّاً الفائق نوعًا، فآثر أن يطلق جملة من الاتهامات، ينهى بها بطريقة احتفالية، حديثه المقتضب عنهما، وكفى الله المؤمنين القتال.

وعلى ما استجد من أسباب الحديث عن الفيلسوف المصرى: الباحث المعلم والمؤرخ المترجم عبدالرحمن بدوى، خاصة بعد انتقاله إلى رحمة الله فى الخامس والعشرين من يوليو 2002، فإن ما نراه ذا صلة وثيقة بمرادنا أن نتوقف مَلياً أمام رؤية الدكتور مراد وهبة لعبدالرحمن بدوى، كما اشتمل عليها باب «شخصيات فلسفية» من الكتاب الذى ذكرت آنفًا، وأن نتدبر فيه مسألتين مهمتين، إحداهما تتعلق بما نعتقده صورة كاريكاتيرية للفيلسوف الراحل، وثانيتهما تتعلق بمحاولة إثبات الأستاذية (أقصد أستاذية المؤلف) عليه.

يستهل الدكتور مراد وهبة رؤيته بقوله: «فى عام 1945 كنت طالبًا فى قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول ـ القاهرة الآن ـ وكان عبدالرحمن بدوى يحاضرنا فى الفلسفة المسيحية والمنطق. وفى 30 أبريل 1945 انتحر هتلر. وفى اليوم التالى دلف عبدالرحمن بدوى إلى مكان المحاضرة، فلمحنا ربطة عنق سوداء (كذا) وعندما سألناه عن السبب قال: لأنى حزين على وفاة هتلر».

وعلى الرغم مما كتبه الدكتور مراد وهبة، بعد هذا الاستهلال، عن سيرة بدوى الحزبية، وعما يراه من ضرورة أن تبحث الدول المنكوبة عن زعماء كهتلر، وأن يقبِل المصريون على مصر الفتاة التى لن يكون خلاص مصر من محنتها، وبلوغها مجدها إلا على يديها»، ثم على الرغم من استشهاده، ذى الطابع السيكولوجى الذى يوحى بالتفهم، بقول بدوى إنه «ليس من شك فى أن هذا الوطن ـ أى مصر ـ فى أشد الحاجة إلى الثورة الروحية على ما أَلِفَ من قيم كى يضع مكانها نظرة أخري»، ومن إشارته إلى أن كتبه التى توالت تحت عنوان «خلاصة الفكر الأوروبي» إنما جاءت فى سياق سعيه فى «انتشال أبناء هذا الجيل من ظلمة الهوّة إلى نور الفكر الحر، فيفكرون فيما فكر فيه العقل الأوروبى، ويتأملون فى المشاكل التى أثارها، والحلول التى قدم، بشرط ألا يتوهموا أن ثمة حلولاً جاهزة ليس عليهم إلا أن يقلدوها ويحتذوها». أقول: على الرغم من ذلك كله؛ فقد استقر الكاريكاتير/ المفارقة فى الأذهان، وصار لزامًا النظر ـ موضوعيا ـ فى أصل إعجاب بدوى بهتلر، وفى الدواعى التى دعته إلى اعتباره أنموذجًا للزعامة الوطنية التى تعوز الشعوب المستعمَرة أو المنكوبة.

لقد كان هتلر ـ الذى كان العقاد وهو خصم بدوى اللدود قد وضعه فى الميزان، وجعله مثالاً لالتواء الطبيعة الإنسانية ـ هو العدو الأكبر للدول الاستعمارية التى مزقت العالم العربى شر مُمزَّق، ورزحت على صدر مصر، وحالت دون نهوضها الذاتى (انظر: رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا لمحمود محمد شاكر). فهو، لذلك، عدو أعدائها التاريخيين، وعدو مستعمريها وناهبى ثرواتها ومصادرى نهضتها.

ثم إنه كان مثالاً للزعيم الوطنى الذى نجح فى تقدُّم بلاده تقدمًا معجبًا، وفى دفعها إلى أن تكون قوة عظمى فى سنوات معدودات.

ثم إن ألمانيا لم تكن صاحبة ماضٍ استعمارى نستذكره ونحن نكظم الغيظ، ولم تعكر جيوشها صفو حواضرنا العربية الإسلامية، كما كان حال الفرنسيين والطليان والبريطانيين، ولم تفزع آمنًا فيها، أو تقتل عالمًا أو رجل فقه. بل إنها تدرب فيلقًا عربياً يشرف عليه مفتى فلسطين الذى كان يأمل أن يحرِّر بلاده من مغتصبيها.

فهل نملك، فى ضوء هذه المعطيات كلها أن نَغُضّ طرفًا عن الدوافع النفسية التى تحمل عبدالرحمن بدوى (وهو المتحرِّق شوقًا إلى دفع الاستعمار عن بلاده، وإلى أن يراها قوية معافاة ذات شوكة، ناهيك به دارسًا متميزًا للأدب الألمانى والفلسفة الألمانية) على أن يحزن على سقوط الأنموذج الهتلرى، أو أن يعلن حزنه صريحًا دون تكتم ولا مواربة؟

إنّ النظرة المنصفة لا تُسقط هذه الحقائق من اعتبارها، ولا تحاكم بدوى وهى تغمض أو تغض طرفًا عن الشروط الموضوعية التى اتخذ فيها موقفه الواضح من هتلر. بل إن هذه الحقائق والشروط لترجح بكفة بدوى رجحانًا، لا مرية فيه، حين نقارنه ـ مثلاً ـ بالفيلسوف الألمانى «هيجل» الذى كان معجبًا أيما إعجاب بنابليون بونابرت الذى غزا بلاده وأذلها، والذى اقتحم جنوده منزل الفيلسوف المثالى واضطروه إلى أن يرجوهم أن يعاملوا «العالم الألمانى البسيط» معاملة طيبة (انظر: حياة هيجل لبدوى، ص60).

لقد بلغ من انبهار هيجل بقاهر موطنه أن كتب إلى أحد أصدقائه يقول: «لقد رأيت الإمبراطور ـ روح العالم هذه ـ يخرج من المدينة للاستكشاف. وإنه لإحساس رائع حقًا أن يرى المرء هذا الشخص المركَّز هنا فى نقطة وهو جالس على فرس، يمتد على العالم ويسيطر عليه».

إننا هنا أمام فارق كبير لابد أن تراه الأعين المبصرة. وإن لبدوى لَدَرجة على هيجل فى كل مقياس، وهو، لا ريب، أشرف دواعى ومنطلقاتٍ من صاحبه الألمانى، الذى لم ير من يمثل روح العالم أو الروح المطلق ـ وهى مقولة مركزية فى فلسفته ـ غير ذلك المغامر العسكرى الذى نعلم من علمه، ومن جرائمه فى شرقنا العربى، خاصة فى مصر وفلسطين، ما يضعه فى رأس قائمة مجرمى الحروب.

وإذ نتجاوز المسألة الأولى فى رؤية د. مراد وهبة لعبدالرحمن بدوى، أو الصورة الكاريكاتيرية التى تظلمه وتتنكب حقيقته، إلى ما يحاول من تقويم مصطلح «الآنية» الذى يأتى عند بدوى مقابلاً للفظ Dasein الألمانى، فإننا نجد الدكتور مراد وهبة يقترح ما يسميه «تعريب اللفظ الألمانى بدلاً من ترجمته» والتعريب عنده هو أن نستعمل اللفظ الألمانى كما هو فنقول «دازين». ثم نراه يذهب فى تفسير هذا الدازين مذهب من يدور فى محيط المعنى الذى كان بدوى نفسه قد بينه له، لا يعدوه قيد أنملة، مؤكدًا تلمذته ـ ربما بقصدية تحسب له ـ لبدوى، ومعولاً عليه حتى فى اعتراضه على مصطلحه.
عن وجهات نظر.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :