facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل نحن متحضرون ام متمدنون؟


د. ماجد الصمادي
16-09-2023 02:38 PM

سؤال جدلي، يتبادر الى ذهني مع كل سلوك همجي ينتهجه أفراد يعيشون في مجتمع، ينعم بأدوات المدنية، محاولاً فهم هذا السلوك ودوافعه وكيفية الانعتاق منه، فهل نحن فعلاً متحضرون! بمعنى اننا نعيش في مرحلة متقدمة من المسيرة الانسانية، هجرت المرحلة الغرائزية الحيوانية وهذبت سلوك الافراد في إطار من التقاليد والقيم والقوانين، لتضمن رقي السلوك والاهتمامات، والسمو بالغرائز وتصريف الطاقات في انتاج أنماط من منتجات الحضارة المعنوية، كالعلوم والآداب والفكر والفلسفة والفن، ومنتجات مادية كوسائل النقل من طائرات وسيارات، ووسائل اتصال، ومساكن وطرق وكهرباء وأرصفة، ووسائل رعاية صحية وترفيه، رفعت من جودة الحياة ويسرها؟ ام اننا متمدنون وحسب، بمعنى اننا نستخدم الادوات المادية التي انتجتها الحضارة فقط!، لا بل نسيء استخدامها فنحولها الى ادوات قتل وتدمير وأذى للإنسان وكل ما يحيط به؟.

من أجمل ما قرأت وسمعت وشاهدت في هذه الجدلية، مسطرة قياس مستوى الهمجية أو التحضر لدى المجتمعات، والتي رصدها الروائي والطبيب المصري علاء الاسواني، وذكر منها سبعة سلوكيات رئيسية تحدد مدى قرب او بعد أي مجتمع من التحضر او الهمجية، ثلاثة منها على الاقل تتعلق بالقانون وسيادته.

فالعقوبة في المجتمعات الهمجية جماعية، إذا ارتكب فرد من قبيلة او طائفة جريمة، توقع العقوبة على بقية افراد القبيلة او الطائفة، فتحرق بيوتهم وممتلكاتهم وتنتهك حقوقهم، ويهجرون من مساكنهم، بينما جميع القوانين التي انتجتها الحضارة الانسانية تنص على ان العقوبة والمسؤولية فردية، ولا عقوبة الا بنص ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وفي المجتمعات الهمجية العقوبة ليست للردع والاصلاح، بل وسيلة ثأر وانتقام، والفرد فيها لديه نزعة متوحشة لإيقاع العقوبة الجسدية، بغض النظر عن حجم الجنحة او الجناية او الجريمة المرتكبة، لا احقاقاً للعدالة بل حباً في تفريغ نزعة داخلية لديه للعنف والانتقام، فيقترح مثلاً تعليق المذنب في مكان عام او تقطيعه، بينما المجتمعات المتحضرة استطاعت معالجة كثير من السلوك المنحرف، من خلال العقوبة، وتقويمه واعادة ادماجه في المجتمع.

في المجتمعات الهمجية، يستخدم القانون وبانتقائية ولا يطبق على جميع افراد المجتمع بنفس القدر، فالأصل ان تكون العدالة عمياء، كما يمثلها تمثال "سيدة العدالة العمياء" التي تحمل، وهي معصوبة العينين، ميزان العدل في يد وسيف العدالة في اليد الاخرى ، ويوضع هذا التمثال في المحاكم وغرف القضاة والمحامين، دلالةً على ان القانون لا يميز بين غني وفقير ولا أبيض وأسود.

في المجتمعات الهمجية تسيطر العاطفة على العقل، والفرد فيها قابل للشحن العاطفي والتوجيه، فتتوارى ، خلف هذه العاطفة، ارادته وعقله، وموقفه اتجاه جميع القضايا، فيصبح سهل القيادة والسوق والسيطرة والغاء الوعي، ولا يستطيع السيطرة على غضبه، بينما في المجتمع المتحضر اذا غضب الفرد يستحضر العدالة فاذا وقع حادث سير مثلاً استدعى ببساطة الشرطة أو التأمين وخضع للقانون للعدالة.

في المجتمعات الهمجية هناك حقيقة واحدة معتمدة والقمع للآخر، فالحقيقة في التعليم ما يقوله الكتاب المدرسي او الكتاب المقرر في الجامعة، او ما يمليه رجل الدين او السياسة، او الاعلام الرسمي او الحزبي او المذهبي، او ما يصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيصبح الفرد أسيراً للحقيقة الواحدة، وتنشأ لديه حالة تنمر ضد الاخر المختلف معه عرقياً او دينياً او مذهبياً وينحصر افقه ضمن قوقعة هذه الحقيقة المؤسسة والمقدسة لديه.

الفرد في المجتمعات الهمجية لا يجد السعادة الا في لذة شهوة الحواس والغرائز، ويختزل السعادة بلذة الطعام والشراب والجنس وبكثرة اقتناء كل ما يحتاج او لا يحتاج من الممتلكات، و لا يشعر بالسعادة او المتعة في عمل الخير او اسعاد الاخرين، او تخفيف آلامهم ومعاناتهم، ولا يسعد بحضور ندوة او محاضرة او بسماع موسيقى او شعر، او بقراءة رواية او أدب، او بتامل الطبيعة وجمالها، او اذا اهديت اليه باقة من الزهور او كتاب.

المجتمعات الهمجية تختصر المرأة في انوثتها، بينما المجتمعات المتحضرة، تعتبر المرأة انساناً حدث بانه انثى، فالطبيبة انسان حدث بانها انثى، والمعلمة انسان حدث بانها انثى، تماماً كما ان القاضي والمهندس والطيار والسياسي الرجل، هو انسان حدث بانه ذكر، فالمجتمع الهمجي يعتبر المرأة أصل الغواية، كبرت ام صغرت، واداة للذة والتمتع، سواء كان ذلك بسجنها وحصارها، او بجعل جمالها سلعة واستغلال جسدها في التسويق او الاباحية. في المجتمع الهمجي تترسخ ادبيات والفاظ وعبارات مستخدمة، تحقر المرأة، وتحط من قدرها، حتى في مدحها، كامرأة بمئة رجل او فلان رجل عظيم رغم انه تربية امرأة، وغيرها.

في المجتمعات الهمجية يتعايش الفرد مع الضوضاء ولا ينزعج منها ويرغب بها، وتنتشر فيها ثقافة الصوت العالي، في البيوت والمجالس والمدارس والبرلمانات، ومقاطعة الحديث ورفع مستوى الكلام فوق الشخص المتكلم، ولا يعبر الفرد فيه عن الفرح والسرور الا بإطلاق العيارات النارية وأبواق السيارات ومكبرات الصوت واغلاق الطرق، وكشافات الاضواء العالية ولا يعنيه ان كان الليل سباتا للآخر فهو متمحور حول ذاته فقط.

اترك لكم حرية اسقاط هذه المسطرة من السلوكيات على أي مجتمع بموضوعية، وتحديد اين يقع هذا المجتمع على سلم التحضر ،بموجب هذه المسطرة، والسبل الكفيلة التي تمكنه من اللحاق بركب هذه الحضارة، الا انني أؤكد على اننا على الاقل نستخدم منتجات الحضارة المدنية، فلدينا القانون ولا نحترمه ولدينا اشارات المرور ولا نقف عليها، ولينا جسور مشاه ونقطع الطريق من تحتها ولدينا ساعات ثمينة وذكية ولا نحترم الوقت والمواعيد ولدينا سيارات فارهة حولناها لادوات للقتل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :