facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غزة لا تموت


عامر طهبوب
10-11-2023 05:30 PM

غزة لا تسقط، لا تغرق في البحر، لا تغرق في الدم، تعطَش، تجوع، تُقصَف بالقنابل الحارقة، لكنها لا تعرف الموت، غزة حيّة تُصدّر شهداء إلى السماء، وشهادات وفاة إلى الأحياء من أهل الأرض، مرآة النموذج الوحشي الأبشع، لوجه الأعداء هي غزة، وغزة لا تشبهنا، ولا نشبهها، لا تتشبه بأحد، ولا تقلّد أحداً، غزة مدينة متفردة، مستأنفة، مستنكفة، رافضة، متمردة، حرة، تعشق الحرية، ألفت السير عكس التيار، تنتج سلاحها بيديها، وتصنع صواريخها من أنابيب المجاري، تخوض معارك التجربة والخطأ في صناعة البارود، لكنها لا تخسر معركة، تُدمي في كل مواجهة مقلة العدو، تقلق منامه، تعكر كما قال درويش مزاجه، وقد لا تنتصر، لكنها تكسر في كل مواجهة مع العدو هيبته، تُقلّ من قيمته، تهينه، تفقده صوابه، تكشف عورته، تحرر نفسها بيديها من زيفه، ولكن غزة لا تموت.

غزة لا تموت، تُصدِّر شهادات الوفاة للعالم الحر، للمنظمات الإنسانية، وغزة تُعِنُّ لجام الخيول، وحمير تجر "الكارات"، وتجوب الحارات، يركب على ظهرها الطبيب، والمهندسة، والمعلم، والمحامية، والطفل الجريح، والطفلة المصابة بالسرطان، وتنقل اللاجئين من اللاجئين، من شمال غزة وغربها إلى جنوبها، تغريبة جديدة، وهجرة جديدة تحت القصف، وبعد الدمار والجوع والعطش، وهذا ما يرى فيه العالم الحر، تهجيراً طوعياً، التهجير القسري للفلسطيني هو الموت، لكن غزة لا تموت، تُعِنّ العدو، تتعبه، تشتته، تشغله، تقنصه في مأمنه، تحرمه من النوم، تغرقه في وهمه، وتفقده سرديته الكاذبة، ولا تموت.

غزة أكبر محكمة استئناف في الكون، أكبر صرخة في الدنيا، أقسى صخرة على وجه البسيطة، ولا تمتلك الصخور، وغزة ليست حديقة، أرضها ليست أكثر أراضي الكون خصوبة، وبحرها مالح ملوث، لكنه أزرق، وما زالت الأسماك تعيش في مياهه، تشارك أهل غزة مرارة العيش، لا تريد أن ترحل، ولا تريد أن تفارق، لأنها أسماك غزة، وتحن إلى رائحة أجساد أطفال غزة، وأجمل ما غزة قبح الدمار على أرضها، وأجمل في غزة لون الدماء على رمالها، وأجمل ما في غزة، قدرتها على كشف قبح الآخرين.

ما أغنى فقر غزة، جوعها متفرد، عطشها ثمين، أطفالها يولدون رجالاً، وأما النساء، فسنديانات وأشجار نخل باسقة، وفي غزة بركات، ودمعات، وصلوات، وتنهدات، وهجرات، وخبز مبلل بالدم، وحطب، ونار، وحنو جار، وهدم دار، وقذيفة مضادة للدروع، وغزة لا تموت، لا تعرف النعمات، تقول لا، ثم تقول لا، وتقول الحقيقة، لا تكذب، لا تتجمل. سئل الصبي عبد العزيز عن أيام الحرب، قال: خرا، أعادت عليه المذيعة السؤال بطريقة أخرى، فكرر الجواب كما المرة الأولى. قال الحقيقة.

غزة لا تنكسر، تكسر أحلام العدو، وقد لا تحقق أحلامها، لكنها تقبر أحلام العدو في البقاء على أرضها، وغزة لا تجثو إلا لله، ولا تحمد أحداً غير الله، تستنزف وتستأنف، ويقصف العدو مستشفى الشفاء، ويقصف الشفاه، وتقطع قنابله رؤوس الأطفال، ولكن غزة لا تتوقف، أدمنت النضال، ولن يشعر العدو بالرضا، ولن يشبع من شرب الدماء، ولن يتوقف عن التباكي والبكاء، والكذب، ولن يتوقف هذا "العالم الحر" عن النفاق، لا تقوم له قائمة إلا لتحقيق المزيد من ظلم المظلوم، وإعانة الظالم على مواصلة مظلوميته، لكن غزة لا تموت، لأن غزة فكرة، وثورة ولّادة، ونتاج تاريخ طويل من الكفاح في كشف بشاعة المحتل.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :