facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




أنين تحت الردوم


محمد العامري
23-12-2023 02:14 PM

أخجل من الكتابة عن غزة، لكن ما تراه العين يجرني نحو النحيب بالكتابة والتأسي على بعضي في أوطان أصابها الخرس، كما لو أن العين قد طمست ولم تعد قادرة على الرؤيا، ما الذي أصابنا جرّاء غزة، يبدو لي أن الحدث أكبر بكثير من مخيلتنا لذلك أصبنا بالصمت، فأصبحنا كمنحوتات وقفت منذ دهور بحركة واحدة، ننظر بعيون حجرية مقلوبة، عيون مصابة بالعمى، فهل فعلا أصبنا بالعمى وضربنا الذعر السياسي إلى حدود التكتم على البكاء والقشعريرة التي ضربت الأبدان من هول الإبادة، وتحضرني هنا رواية العمى للكاتب البلغاري جوزيه ساراماغو والتي تسرد حكاية وباء غامض يصيب إحدى المدن، حيث يصاب أهل المدينة بالعمى فجأة، مما يخلق حالة من الخوف والفوضى التي تؤدي إلى تدخل الجيش من أجل السيطرة على الأوضاع الكارثية التي أصابت أهل المدينة، ومع ذلك لم يستطع الجيش السيطرة على الأوضاع بل تزداد مأساوية حين يتخلى الجيش عن الحشود العاجزة والواهنة والعمياء، مما يؤدي إلى سيطرة العصابات على ما تبقى من طعام ودواء. ويبدأ الناس في الاقتتال فيما بينهم. والرواية تطرح كذلك العمى الفكري حيث قالت زوجة الطبيب في نهاية الرواية «لا أعتقد أننا عمينا بل أعتقد أننا عميان يرون، بشر عميان يستطيعون أن يروا لكنهم لا يرون» في إشارة إلى الأخلاق البشرية والمبادئ الإنسانية الهشة أمام العوز البشري.

فما فعلته الآلة الصهيونية في غزة هو صورة من صور إيصال الناس إلى العوز للطب والدواء والطعام، لكننا في غزة تحررنا من فكرة الموت واسطاعوا رغم ما يقع عليهم من ظلم منقطع النظير أن يحررونا من فكرة النهايات المميتة فلم يعد مسافة بين الحياة والموت، فهي المسافة الصفرية التي لم تعد تفرق بين حي وميت.

غزة حررت العالم من أوهام بلدانهم حيث فاضت فلسطين على كامل الكرة الأرضية لتدخل القضية في كل بيت كصورة توعوية للمغفلين واستطاعت أن تخلخل قناعات كانت بالأمس تتحيز لسردية الكيان المحتل، فقد انكشفت عورة العدو بصورة لم يسبق لها مثيل فما أنجزته المقاومة من فعل اعلامي ذكي ساهم في كشط الغمامة عن سرديات زائفة كانت سائدة في كثير من المؤسسات الغربية، واعتقد أن الانتخابات القادمة سيكون لها تجليات انقشاع الزيف والكذب، فالردوم التي سادت المكان الغزي هي نتاج حقد تلمودي ولا يمكن له أن يعبر عن أدبيات الجيوش المحترفة، كل ذلك الغباء ساهم في انكسار وجه الكيان الإسرائيلي وأصبح أمام معضلة كبيرة أمام أمواج المتظاهرين في شتى بقاع العالم.

فقد أدرك الفلسطينيون الحياة من خلال الموت، واختلفت رؤية الموت ومعناه، وقد يبدو على نحو موضوعة تم توظيفها وتغيير دلالاتها، فالموت يعني النهاية على الصعيد الفردي وللبعض تجليات لبداية أخرى، فمن الروايات التي لا يمكن تجاوزها حين نذكر الموت رواية "الغريب" لألبير كامو، والتي لخص فيها نظرة الإنسان العبثي والباحث عن هدفٍ للحياة، وتسرد الرواية قصة ميرسو الشاب الذي تحرَّر من كل المشاعر الإنسانية، واتبع مبادئ خاصة به صاغها بنفسه أوصلته أخيراً إلى الإعدام.

لكننا اليوم أمام موت لا يشبه الموت أبدا، فانتفاء المسافة بين الموت والحياة هو صورة من صور لحياة أخرى عكست مفاهيم جمعية عند الضمير الغزي الجمعي، فصار الطفل سياسي صغير يتحدث بخبرة لا يمكن أن تنتمي لعمره، وهذا يؤشر على طبيعة توريث فكرة التجذر في الأرض وطبيعة انتماء مختلفة تماما عمّا نعرفه، كما لو أننا أمام أطفال كبروا فجأة حارقين مراحل كبيرة من الوعي بعدوهم، فالفتى الذي خرج للتو من الردم ويعلو وجهه الغبار قال في أول كلمة له عبارات تهديد وانتقام من نتن ياهو، كأن المسافة المرعبة بين الردم والحياة هي نفسها، كما لو انه لم يخرج من موت مؤكد.

فمهما توقعنا الكثير حول ما حدث ويحدث ليس إلا أن الأمر أشبه بخيال سينمائي، أو كحلم يقظة من الصعب إدراك مداه.

فهل الموت مصدر إلهام لحياة أفضل؟ ربما.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :