أمنك وطنك * د. محمد محمود الخوالدة
08-03-2011 03:37 AM
اعجبتني هذه العبارة، ولا أود ان اكتب هذا المقال في تفسيرها لأطلب من القراء الاعتراف بقدرتي على الكتابة، ولكني اود أن الفت نظرهم او اثير انتباههم او ازيد من احساسهم بقضية الأمن الوطني، الذي لا يقف حدوده عن توفير الأمن للمواطن على المستوى الذاتي او الفردي، بل الأمن الذي يسود جغرافية الوطن وفضائه وبيئاته الطبيعية وبيئاته الايكولوجية وتركيبته الاجتماعية، الأمن الذي يلغي دوافع الخوف من نفوس المواطنين كلهم من اجل تحقيق الأمن الشامل الذي يغطي تراب الوطن كله،على المستوى الأفقي، ليربط الأمن في الجغرافيا البشرية بالجغرافيا السياسية، وعلى المستوى الرأسي، ليربط الأمن بالفضاء الخارجي، الذي يعطي الأمن الشامل، ابداعات تعطيه استقرارا وثباتا وتنوعا للحياة داخل النظام الاجتماعي العام، الذي يمثل صورة الوطن وبنيته التحتية، أي حالة الوطن كله بكل ما فيه من ديناميات اجتماعية وسيكولوجية وثقافية، تمثل الحاجات الأساسية التي تشبع الدوافع التي ترافق الإنسان واجتماعه في مسيرته التاريخية منذ وجوده على الأرض بقضاء الله وقدره.
والأمن قيمة جوهرية عليا يتطلبها المجتمع بالضرورة، فبالأمن يحيا المجتمع وبغيابه يتلاشى ، لأن الأمن للمجتمع كالأكسجين بالنسبة للانسان، بوجوده يحيا وبفقدانه يموت موتا وجوديا وليس موتا فيزيقيا.
فالأمن هو الرافعة الحقيقية التي تشكل حركة الحياة المنتجة في بنية المجتمع، لأنه الأساس المحرك للعمل الذي يمثل القيمة المضافة الى تقدم المجتمع وازدهاره، فضلا عن ان الأمن هو القيمة الذاتية التي تحول قوى الانتاج الى قوى ابداعية، تعظم المردود وتنوعه لمد الحياة الاجتماعية، بالتجديدات التي توسع الاختيارات امام الناس الذين يعيشون في بيئة آمنة، وبهذه الاختيارات فان الأمن يزيد من تدعيم قيمة الحرية، ويجعل منها تنمية حقيقية للواقع الاجتماعي الذي يقوم على الأمن، فالحرية في إطار الأمن هي تنمية لأتها تحرر الإنسان من الجهل ةالخوف والفقر والمرض .
فالأمن والحرية قيمتان ضروريتان لحياة الإنسان ومجتمعه، وفي اطار المقارنة بينهما من اجل التأسيس الفكري وتحديد منظومة القيم في المجتمع، فان قيمة الأمن تسبق قيمة الحرية، مع ان قيمة الحرية قضية وجودية لأنها ترافق الإنسان منذ ولادته، فالناس يولدون احرارا لكي يتحقق العدل في حياتهم، فالإنسان الحر هو الذي يتحمل المسئولية القانونية والاخلاقية على اعماله وافعاله، في حين ان الإنسان المضطر لا يتحمل المسئولية على افعاله، لأنها سلوك اضطراري تخلو من البغي والاثم، لذلك لا اثم عليه، هذا قرار الله سبحانه وتعالى، أساس العدل في الدنيا والآخرة. اما الذين يرتكبون الظلم بحريتهم فانهم هم الذين يتحملون عقابهم في الدنيا والآخرة جزاءً وفاقاً.
وهذا يعني ان الأمن ينبغي ان يتطلع اليه الإنسان الحر لكي يحافظ على حريته بصورة دائمة، فالأمن هو الاطار الذي يمكِّن الإنسان من التمتع بحريته وممارسة حياته الطبيعية، فالحرية قيمة تختفي عند غياب الأمن الذي يشكل الاطار الطبيعي للحياة الإنسانية. ولا اقصد بالحرية ممارسة ما يشتهي الإنسان كما يتوهم الجهلة، بل الحرية التي تجعلك تمارس اقوالك وافعالك بحرية تامة نابعة من ارادتك الحقيقية دون اضطرار ، لكي تتحمل المسئولية القانونية والاجتماعية والأخلاقية بصورة عادلة، لأن العدل أساس الحياة وأساس الدين وأساس الآخرة لمحاكمة الناس كافة.
فاذا رغب الإنسان ان يحافظ على حريته الوجودية وممارسته لهذه الحرية لكي يحقق وجوده بصورة طبيعية مبدعة، يتوجب على الفرد في اطار مجتمعه الإنساني، ان يختار الأمن في اطار الحياة الاجتماعية على اختيار الحرية، فالحرية تختفي بغياب الأمن، فالإنسان الواعي الذي يدرك قيمة حريته ينبغي ان يسعى بكل جهوده لتوفير الأمن في مجتمعه، لكي يتمكن من التمتع بحريته وتحقيق ارادته والعيش في وطنه بصورة عادلة وعاقلة تمكنه من العيش عاقلا في اطار حريته وارادته وعقلانيته لكي يحقق وجوده الإنساني.
واستنتاجا من المنطق الذي عرض سابقا، نستخلص ان الأمن قيمة و مسألة ضرورية للنظام الاجتماعي، فالأمن هو الحياة الذي يدفع الخوف عن الإنسان والمجتمع، فيمكِّن الإنسان من الاحساس بقيمة الحرية، قيمة العمل والانتاج، قيمة تحقيق وجود الإنسان وتحقيق انسانيته واجتماعه العادل. واذا اختفى الأمن اضطربت النفوس وتحولت من قوى انتاجية، الى قوى مدافعة عن النفس نتيجة الخوف، وفي هذه الحالة يحدث الشلل الاجتماعي الذي لا يمكِّن المجتمع من الانتاج،عندئذ لا تطاق الحياة فيه فتختفي معالم الحضارة الإنسانية من البناء الاجتماعي، لذلك فعلى المواطنين الذي يتمتعون بالادراك الإنساني ان يحرصوا على قيمة الأمن في بيئاتهم، وان يعملوا ما وسعهم الجهد من توفير قيمة الأمن في حياتهم، الامن الذاتي لدى الفرد، والامن الاجتماعي لدى الاسرة، والامن الغذائي لتامين الطعام ومحاربة الجوع، والامن الاقتصادي لتامين عجلة الحياة القائمة بين الانتاج والاستهلاك، والامن السياسي الذي يمكن القيادة من ادارة البلاد والعباد الى شاطئ السلامة، بل الى التقدم في سياسة الوطن كله الى حياة فضلى في اطار من القيم الديمقراطية، قيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية التي تؤمن الحياة النوعية لكل المواطنين الذي ينظمهم القانون الإنساني العادل على قدم المساواة في وطنهم الديمقراطي الآمن، في اطار من الدولة المدنية الحديثة التي تؤمن الأمن والحرية للمواطن، لكي يؤمن بالمعتقد الذي يريد والعيش مع الآخرين في اطار اجتماعي يمنع استقواء الفاسدين على الآخرين في المجتمع، ويحرم الظلم في بنيته الاجتماعية، ويفسح المجال امام المواطنين لكي يدركوا قيمة الأمن في حياة الإنسان ، فيتكاتفون ليتمكنوا من العيش الحقيقي في وطنهم ويؤكدون على العلاقة العضوية بين الأمن والوطن، ويوجدون منهما مفهوما واحدا ليعيه كل مواطن وهو أمنك وطنك ليسهم في المحافظة على هذا المفهوم، النفس اجتماعي.
والأمن لا يعني خنوع المغلوبين للقاهرين او الفقراء للأغنياء، والضعفاء لأصحاب القوى، ولكن الأمن شعور داخلي لدى المواطنين بالاستقرار النفسي والاجتماعي، وبيئة تخلو من انواع المخاطر والتهديدات والتلوث في بعده الأرضي والمائي والهوائي والاجتماعي، بل الثقافي الذي يشكل التصورات والأفكار عند الإنسان تجاه موضوعات الحياة كلها. بيئة آمنة بفضل الادراك الإنساني وسيادة القانون الذي يحمي حقوق الافراد بصورة آلية، لأنه قانون يطبق بجدارة عالية لا يستقوي فيه القوي على الضعيف او البصير على الأعمي، ولكنه القانون الذي تفعِّله سلطة القضاء التي خولتها الدولة السلطة المطلقة لتحقيق العدالة من اجل تمتين أساس الحكم فيها، فالعدل أساس الدين وأساس الحياة في الدنيا والآخرة أيضا، لذلك فان العدل في المجتمعات الإنسانية هي: من الأسس الجوهرية في تحقيق الأمن الاجتماعي كله.
ولابد أن نعطي الفضل لأهله، فجلالة الملك عبدالله الثاني قد بيَّن في خطاب العرش بصورة واضحة ان العدل أساس الحكم، وأنه يؤكد في سياسته اليومية تعزيز القيم الديمقراطية التي تسهم في تحقيق العدل الاجتماعي بين المواطنين، فضلاً عن تربية المواطنين في اطار من الحرية التي منحها الله للناس اجمعين منذ وجودهم ليكونوا مواطنين قادرين على اختيار سلوكهم بكل ارادتهم الحرة ليتحملوا المسئولية القانونية والاخلاقية والدينية جزاءً وفاقاً دون ظلم او عدوان. أطال الله عمر هذا القائد الهاشمي الملهم عبد الله الثاني بن الحسين ، مصدر الأمن والاستقرار في بلدنا العزيز وهو الذي يواصل عمله لتحقيق العدالة في المجتمع الأردني .