مطلع الأسبوع الماضي، نفى رئيس الوزراء وجود جسر بري، يعبر أو ينطلق من الأراضي الاردنية، ويقدم امدادات ما للعدو الصهيوني، واعتبره زعما يرسل إشارات سيئة، تستهدف تقويض جهود الدولة الأردنية الداعمة لفلسطين، والساعية لوقف حرب الإبادة والموت بحقهم، والطبيعي بعد مثل هذا التصريح ان تنجلي الصورة للناس، لكن ما زالت «الأكاذيب» تنطلق، بل ازدادت عنها فيما قبل تصريح د بشر الخصاونة.. وهذه حالة تستحق منا الوقوف عندها بحياد، لمحاولة فهمها، لأنها دليل على «انفصام» كبير في أداء إعلام الدولة، فلماذا ينساق الناس خلف الادعاءات والأكاذيب، والإشاعات، وتتزايد الاحتجاجات، بينما الدولة ومؤسساتها تحاول ان تثبت بأنها تتعامل بكل شفافية مع الحدث الخطير؟!.
كل العالم يتعرض لاختبار كبير بسبب الجريمة «العالمية»، التي تجري في غزة منذ حوالي نصف عام، وكثير من الحكومات تواجه رفضا شعبيا سياسيا لمواقفها الداعمة او الصامتة عن هذه الجريمة، وأمس الأول مثلا، بدأ سياسيون (جورج جالاوي-بريطانيا) يعبرون إلى مواقع الحكم والقرار السياسي، عبر «بوابة» غزة، بسبب موقفهم الرافض والمعارض للجريمة البشعة، ولمواقف دولهم منها، وسوف نشاهد هذا التحول في كل دول العالم، سواء أتوقفت هذه الجريمة أم استمرت.
كان وما زال المتوقع، بل المطلوب من دول وحكومات عربية، مثلنا وبموقعنا، أن تتوحد مواقفها الشعبية والرسمية في مثل هذه الظروف، وتندمج المعارضات مع الحكومة، في موقف وطني واحد، فنحن أكثر الجهات الدولية الداعمة لفلسطين، وفي تاريخنا وواقعنا حقائق سياسية كبيرة، مرتبطة بفلسطين وقضيتها وشعبها، ولأننا أكثر من يتأثر بنتائجها وإفرازاتها السيئة، فنحن أحوج ما نكون لوحدة الصف في مثل هذه الظروف المرشحة للتطور إلى الأقسى والأخطر.
قبل أيام كتبت في غير المكان، منتقدا بل متهكما على «نخبة» ناشئة موازية، ليست في مواقع رسمية حتى الآن ولم تكن فيها يوما، ولا أعلم ما هي النتائج العبقرية المتوقعة، حين يتم تقديمها «وحدها» في مجال الإعلام الرسمي، وتقريبها من صناعة القرار او قيادة الرأي العام، حيث من غير المتوقع ان تكون مثل هذه النخبة «خبيرة» وكفؤة لتوصيل خطاب الدولة، ولن تحظى بمصداقية لدى الجمهور، ولن يكون فعلها وأداؤها من القوة، بحيث يوحّد الموقف والرأي العام، سيما وأن الأمثلة التي ذكرتها، لا تملك سيرة مهنية رسمية من أي نوع في هذا المجال، وتقلبت على حدود ملتبسة بين المعارضة والموالاة، أي ان كثيرين من الذين نفترض بأن مهمتهم المطلوبة، هي إثبات وجهة نظر الدولة وموقفها، لا يجيدون بل قل لا يفهمون خطاب الدولة، سوى في حدود مطاردة «حقوق» ومصالح حرموا منها سابقا، وهم اليوم وفي مثل هذا الظرف الصعب، يتم تقريبهم خطوات إضافية لمنابر الاعلام الرسمي!.. فما المتوقع ان تفعله النخبة الأخرى، التي التصقت كل الوقت بخطاب وطني منحاز للدولة، وتم تأطيرها مهنيا على هذا الخط.
لا أتحدث من باب ذم هؤلاء، فهم أردنيون، ولهم كل الحق والفرصة لممارسة مهنتهم، كزملاء نحترمهم ونجلهم على الصعيد الشخصي، لكن لهذه الظروف خطابها الخاص، الذي يحق لهم ان يكونوا جزءا من منظريه، لكن لا يمكن ان ينجحوا وحدهم.
ما زال كثيرون بيننا ينحازون لفئات او قوى او ينخرطون في شلليات، ويعتبرونها «الضمانة» الأولى لحمايتهم والدفاع عنهم، بينما المطلوب الاول في هذه الظروف وقبلها وبعدها، أن يكون الانحياز للوطن والدولة، لكن، وكما نسمع ونشاهد ونتابع، فهؤلاء «الكثيرون» أصبحوا على مقربة من مناكفة و»مصارعة» الدولة، بسبب انتفاء المصداقية والشفافية وتعمق الانفصام في مثل هذه الطريقة من إدارة الشأن العام.
من يعتقد بأنه دخل في حرب مع الدولة، أو حرب مع الشعب والناس، فهما مخطئان، لأن الناس والمؤسسات والسلطة، كلها من مكونات الدولة، ويجب توحيد جهود هذه الأطراف فالحاضر والمستقبل، أكثر صعوبة من الأمس، وخطأ قد يكون بسيطا بنظر من يتولى موقعا حكوميا، قد تكون نتائجه كارثية على الوطن والدولة ويشكل نقطة تحول لن يكون الحال بعدها كما كان قبلها.

الدستور