الاصلاح .. راح! * علي احمد الدباس
30-03-2011 12:27 AM
مع أحداث الجمعة التي وصفتها الحكومة بالمؤسفة ، مثل الذي يقتل القتيل و يمشي بجنازنه ، أعتقد أنه لا معنى لأي حديث عن مسيرة الاصلاح و التغيير بشقيه السياسي و الاقتصادي ، فالحكومة التي فاجأت الجميع بصبرها على الاعتصام لثلاثين ساعة ، و التي برعت في يومه الأول في السيطرة على الموقف انقلبت على نفسها و عملت على فضه بطريقة لا تعبر عن الاردن و لا عن أخلاق أجهزته الشريفة.
أكثر ما يثير الاستغراب حتى لا نقول الضحك ، هو التخبط الحكومي في تفسير مجريات أحداث الداخلية ، فرئيس الوزراء (( شبّر )) و عبّر في ستون دقيقه عن إيمانه العميق و معلوماته المؤكدة كرئيس لحكومة تملك الولاية العامة بأن إعتصام 24 آذار هو من عمل قيادات الاخوان في الحركة الاسلامية و أن تعليمات قد جاءت من إخوان مصر و سوريا الإخوان الاردن يوجهونهم في الخطوات التصعيدية.
و في تلك الأثناء يعقد نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية مؤتمرا صحفيا يجيب فيه على سؤال من أحد الصحفيين فيما إذا كان هناك مؤامرة خارجية على الاردن ، فيؤكد أن الاردن طوال تاريخه مستهدف، لكنه ينفي بشكل قاطع أي ارتباط لأحداث الجمعة مع أي أجندات أو توجيهات خارجية!! من نصدق ، الرئيس أم نائبه ؟ و لماذا لم تتفق الحكومة على تخريجة موحدة لكارثة الجمعة ؟ و هي كارثة ليست بنتيجتها من حيث حصول وفاة واحدة و عشرات الاصابات ، بل هي كارثة بمدلولاتها العميقة ، و بطرقها السخيفة الملتوية التي تم رسمها بطريقة تثير الاستهجان ، و هي كارثة بانعكاساتها على مسيرة الاصلاح و الحوار الوطني!
دفعني الفضول و رحلة البحث عن الحقيقة للتجول بين معتصمي 24 آذار طوال ليل الخميس و حتى ساعة مبكرة من صباح الجمعة ، تحدثت الى الكثير من المعتصمين و سجلت العديد من المشاهدات ، كان الاعتصام سلميا الى أبعد حد، و أغلبية من حاورتهم ينقسمون الى قسمين، إما أتوا مثلي بدافع الفضول أو أنهم لا يعرفون بماذا يتحدثون حتى أن أحد الشباب من أشد المتحمسين للاعتصام من المشاركين فيه أخبرني في حوار جانبي أن أبرز مطالبهم هي (المُلكية الدستورية) بضم الميم !!! و حين سألته ماذا تعني بذلك قال (أن يكون الدستور مُلكا للشعب). عشرات الأشخاص كانوا من المعتصمين الجديين لا يتعدوا المئة و كانوا مسالمين جدا ، إلا أنه لا بد من تسجيل أن بعض الخطابات و العبارات التي كانت تلقى من على المنصة كانت تحريضية و تثير النفوس ، فعلى سبيل المثال في الثالثة من صباح الخميس قال أحد عرفاء الحفل : (( إخواني أبلغنا بعض المعتصمين أن هناك إطلاق رصاص حي ... إصمدوا إصمدوا )) مع أنه لم يكن لا رصاص و لا ما يحزنون مما دفع أحد الأشخاص الى جانبي للساؤل (( عن أي اعتصام بحكي ؟ في إعتصام ثاني صار فيه طخ ؟ )) !!
كانت قوات الأمن العام على درجة عالية من الأريحية و التفاهم و كأنهم شرطة السياحة و ليس شرطة الشغب ، لكنهم أخطأوا حين سمحوا للطرف الآخر بأن يكونوا على مقربة من المعتصمين ، كان الأجدى بالأمن إقناعهم أن يقفوا على المثلث المقابل من جهة جبل الحسين و بالتالي درء أي محاولة لرمي الحجارة التي كانت تؤدي بين الساعة و الأخرى الى اشتباك خفيف بين الفريقين أغلبه مصطنع! بالاضافة الى الخطأ الكبير بأطفاء الأنوار و الذي عاد الأمن بغد ساعة و تراجع عنه.
الى هنا تبدو القصة عادية و كانت التوقعات تشير الى أن يفقد الاعتصام هيبته و تفرط مسبحته مع مرور الوقت ، إلا أن الخطيئة الكبرى كانت بالسماح لمتظاهري حدائق الحسين بالتوجه الى دوار الداخلية من الخلف ، مع أن معظم التحليلات تؤكد أنهم دفعوا دفعا و حرضوا من قبل جهات رسمية على التوجه الى هناك ، لكنني مسكون بحسن النوايا و أفترض أن ما حصل لم يكن مدبرا. كان على قوات الدرك و هي ترى كل هذه الاعداد تمر سيرا على الأقدام من دوار المدينة الى الداخلية أن تصنع حاجزا بشريا بين الطرفين لا أن يسمحوا و يتواطؤوا مع القادمين و يوفروا لهم ردحا من الوقت لإلقاء الحجارة من مختلف المواقع الخلفية ثم يتدخلوا بعد أن تكون الفاس وقعت في الراس!
بقيت مسكونا بحسن النوايا ، حتى زرت الدوار مساء الجمعة ، حينها فقط عرفت أن كل دعواتنا للاصلاح ذهبت مع الريح ... فالشرطة أخلت الدوار من المعتصمين لكنها لم تخله من المحتفلين بإنهاء الاعتصام!! بقيت الدبكات تُعقد و كأننا حررنا الأقصى و كانت الهتافات تشير الى تحرير الدوار و إرجاعه الى (( الملك )) و كأنه خلال الثلاثين ساعة السابقة كان محتلا من أحد الخارجين عن الدولة ، حتى أنني كشاهد عيان أضع هذه الشهادة بين يدي مدير الأمن أن بعض الأفراد قد شاركوا في الدبكات و استعراضات السيارات ... لا بل وقفت كل قوات الدرك و الشرطة موقف المتفرج من المحتفلين و هم يكسرون كل اليافطات التي تشير الى اسم الدوار الرسمي (( ميدان جمال عبدالناصر )) و كأننا في زمن الخمسينيات بين التقدميين و الملكيين!
هذا الفرز بين الناس و التشجيع عليه يجعل الصورة قاتمة الى درجة السواد ... فلا يجوز أبدا إذكاء الفتنة من قبل الحكومة و الاجهزة الأمنية بدلا من إطفائها ، فرئيس الحكومة و على التلفزيون الأردني يباهي أن الأردنيين من أصل فلسطيني يشعرون أن الملك قريب منهم ، و الارمن يشعرون أنه ملكهم ، و المسيحيين يشعرون أن الملك منهم ... أيعقل أن يستغرب رئيس الوزراء أن الأردنيين من شتى الأصول و المنابت يجمعون على الملك ... أليس من الطبيعي و العادي أن يكون الملك من الجميع و إلى الجميع و حامي الجميع ؟
عن أي إصلاح سياسي نتحدث ، و قد فرطت لجنة الحوار الوطني ... وقد فرطت حتى كل الأمنيات بعد حادثة الجمعة ... الجمعة التي جعلت لاعتصام 24 آذار حجما أكبر من حجمه ، و التي جعلت من الحكومة نافخا في بوق التفرقة ، و التي جعلت من أجهزة الأمن تظهر بصورة المهاجم لكل الحريات ، و التي جعلت من الناس متشائمين حد الخوف من المستقبل.
ارحموا هذا الوطن .... و تعالوا الى كلمة سواء ، لتعترف كل الأطراف بأخطائها هنا و هناك ... و للتحمل الحكومة مسؤوليات فشلها ، و لندعوا الله أن يحفظ هذا البلد آمنا مطمئنا .