لماذا يفشل بعض القادة رغم مهاراتهم؟
د. ثابت النابلسي
29-11-2024 09:41 PM
القائد الفاشل ينظر في المرآة بدلاً من النافذة.
هذه العبارة تختصر معضلة يعاني منها عالم الإدارة والقيادة، حيث نرى قادة يمتلكون مؤهلات ومهارات عالية، لكنهم يفشلون في تحقيق النجاح ، والأكثر إثارة للتساؤل أن هؤلاء القادة يواصلون شغل المناصب القيادية، بل ويتنقلون من موقع إلى آخر دون أن يتركوا أثراً إيجابياً يُذكر ، بل قد يكون لهم دور بارز في انهيار مؤسسات كانت تتمتع بإمكانات قوية.
كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟، ولماذا تفشل المؤسسات في التعاطي مع هذه الظاهرة؟.
بين المهارات والفشل …..
قد يظهر فشل القادة في صور عديدة؛ كضعف إنتاجية فرق العمل، تراجع الروح المعنوية للموظفين، أو عدم تحقيق الأهداف المؤسسية ، لكن المشكلة لا تكمن غالباً في افتقار القائد للمهارات التقنية أو الإدارية، بل في عجزه عن إدارة العلاقات الإنسانية، اتخاذ القرارات الحكيمة في الظروف الحرجة، أو التوفيق بين سلطته ومسؤولياته.
ان الذكاء العاطفي يشكّل أحد الأعمدة الأساسية في القيادة الفعّالة، لكنه في الوقت ذاته أحد أكبر نقاط ضعف القادة الفاشلين ، هؤلاء قد يجدون صعوبة في فهم احتياجات فريقهم أو التعامل بإيجابية مع التحديات ، والأسوأ من ذلك أن البعض يخلط بين الذكاء العاطفي وقدرته على النفاق الاجتماعي والمراوغة، معتقداً أن هذه الأدوات هي مفتاح النجاح.
في جانب آخر، نجد قادة يركزون بشكل مفرط على تحقيق النتائج، لكنهم يضحّون بالثقة مع فرقهم في سبيل تحقيق مكاسب شخصية، كالحفاظ على مناصبهم أو تعزيز نفوذهم. وهناك من يفتقرون للرؤية الاستراتيجية، فلا يستطيعون إلهام فرقهم أو توجيههم نحو أهداف طويلة الأمد ، لان بعض هؤلاء القادة يعتقد أنه يمتلك رؤية عظيمة، لكنه لا يشاركها مع الآخرين، إما بسبب الغرور أو جنون العظمة، مما يؤدي إلى عزلة فكرية وانحراف في مسار القيادة.
لماذا يستمر الفاشلون في القيادة؟
رغم إخفاقاتهم، يواصل هؤلاء القادة شغل المناصب القيادية، وذلك يعود إلى عدة عوامل. العلاقات الشخصية تلعب دوراً كبيراً في تعيين القادة بدلاً من الكفاءة الحقيقية ، و في بعض المؤسسات، تُمنح المناصب بناءً على الولاءات أو الاعتبارات السياسية، وليس بناءً على معايير موضوعية.
كما يعتبر ضعف آليات التقييم في المؤسسات باب يتيح الفرصة لاستمرار القادة غير الأكفاء ، وفي كثير من الأحيان يتم التركيز على مؤهلات ظاهرية مثل الشهادات الأكاديمية أو الخبرات السابقة أو الحضور الإعلامي، بينما يتم تجاهل الكفاءة الحقيقية أو القدرة على إحداث تأثير إيجابي.
بين النظريات والواقع ……
نظرية القيادة الموقفية التي قدمها " بول هيرسي وكين بلانشارد " تسلط الضوء على أهمية قدرة القائد على التكيف مع احتياجات الموقف وفريق العمل ، لكن الفشل في هذا التكيف يؤدي إلى فجوة بين الأسلوب القيادي ومتطلبات الواقع، مما يعرقل تحقيق الأهداف.
أما نظرية النافذة والمرايا " لجيم كولينز" فتوفر تفسيراً آخر. حيث القائد الناجح ينظر من النافذة ليتشارك النجاحات مع فريقه، بينما القائد الفاشل ينظر في المرآة، و يلقي اللوم على الآخرين، ويتهرب من المسؤولية. هذا الفارق الجوهري يكشف كيف يُبنى النجاح وكيف يُصنع الفشل.
كيف نكسر هذه الحلقة؟….
إذا أرادت المؤسسات تجاوز هذه الظاهرة، عليها تبني استراتيجيات فعّالة لتقييم القادة ، بل و يجب أن تعتمد أدوات تقييم شاملة مثل استطلاعات الرأي، مؤشرات الأداء، وتحليل الأثر طويل الأمد للقادة على ثقافة المؤسسة.
كما يجب أن يكون مفهوم التدريب المستمر جزءاً لا يتجزأ من تطوير القادة، مع التركيز على تعزيز مهاراتهم القيادية والإنسانية.
وترسيخ الشفافية والثقافة التنظيمية التي تشجع على تقديم تغذية راجعة صادقة دون خوف من العواقب هي المفتاح لضمان تحسين الأداء القيادي.
كذلك، يجب أن يتجاوز تقييم القادة الإنجازات السريعة أو المؤقتة، ليشمل قدرتهم على بناء فرق قوية وإحداث تأثير إيجابي ومستدام.
قول اخير …
فشل القادة رغم مهاراتهم ليس ظاهرة عابرة، بل تحدٍ يعكس أوجه القصور في اختيار وتطوير القادة ، لان المؤسسات الناجحة هي تلك التي تدرك أن القيادة ليست مجرد منصب أو لقب، بل مسؤولية تتطلب مزيجاً من القيم والمهارات والرؤية الأخلاقية.
القائد الناجح هو من يبني الثقة، يلهم الآخرين، ويبتكر بيئة عمل تزدهر فيها الأفكار والإنجازات، وليس مجرد من يحقق أهدافاً مؤقتة على حساب استدامة النجاح.