هل يمكن أن تنجح الإدارة السورية الجديدة؟!
د.أحمد بطاح
18-01-2025 11:37 PM
لعلّ من الصعوبة بمكان التنبؤ بإمكانية نجاح الإدارة السورية الجديدة المتمثلة بالسيد أحمد الشرع قائد "هيئة تحرير الشام"، وذلك بالنظر إلى المخاطر والتحديات الجديدة التي تواجهها وهي على وجه التحديد:
أولاً: وجود قوى أجنبية محتلة على الأرض السورية كالقوات التركية التي تحتل شريطاً من الأرض شمال سوريا، وكذلك القوات الإسرائيلية حيث أعلنت إسرائيل إلغاء معاهدة فك الارتباط بينها وبين سوريا (الموقعة عام 1974) واستولت على ما يزيد على (200 كم2) في المنطقة منزوعة السلاح وأعالي جبل الشيخ، ولا ننسى طبعاً قوات الولايات المتحدة التي تحتل منطقة في شمال شرق سوريا وتقيم فيها (قاعدة التنف) على الحدود السورية العراقية الأردنية. وإلى جانب هذه القوى المحتلة هناك قوى عسكرية مهمة جاءَت باتفاق مع النظام السوري السابق كالقوات الروسية التي تشغل قاعدتي "طرطوس البحرية" و" وحميميم" الجوية.
ثانياً: وجود فصائل عسكرية سورية غير منتمية إلى "هيئة تحرير الشام" كقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) ذات الأغلبية الكردية التي تساندها الولايات المتحدة، و"الجيش الوطني السوري" الذي تدعمه تركيا، وقوات "أحمد العودة" في جنوب سوريا، وقوات (رجال الكرامة) "الدرزية" وغيرها في منطقة السويداء.
ثالثاً: وجود أكثر من (4) مليون "لاجئ" سوري في تركيا، والأردن، ولبنان وبعض الدول الأوروبية، ووجود أكثر من (8) مليون "نازح" داخل الأراضي السورية الأمر الذي يحتاج إلى قدرات ضخمة لإعادتهم وتسكينهم وضمان استقرارهم.
رابعاً: استمرار تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة "إرهابية"، وكذلك رئيسها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) الذي ما زال على قوائم الإرهاب رغم إلغاء الولايات المتحدة المبلغ الذي كانت ترصده كمكافأة للقبض عليه.
خامساً: استمرار وقوع سوريا تحت طائلة العقوبات الدولية التي يعود بعضها إلى عام 1979، ولعلّ آخرها وأكثرها خطراً ما عُرف بقانون "قيصر" الذي يحد من حركة الاقتصاد السوري، بل يشله ويحول دون نموه في الواقع.
سادساً: الوضع الاقتصادي السوري المتدهور حيث بلغت الليرة السورية الحضيض مقابل الدولار (12 ألف ليرة مقابل الدولار)، وذلك فضلاً عن تآكل القيمة الشرائية لليرة السورية وبالتالي لرواتب العاملين سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.
ولكن ….. وبرغم كل هذه المخاطر والتحديات المُشار إليها آنفاً فإنّ هناك بالمقابل ما يدعو إلى التفاؤل وعبور سوريا إلى مرحلة جديدة من الأمان والاستقرار، ولعلّ أهم ما يدعو إلى هذا التفاؤل:
أولاً: تقديم "هيئة تحرير الشام" وعلى رأسها السيد أحمد الشرع نفسها بطريقة عقلانية وعصرية متجاوزة بذلك مرجعيتها "السلفية الجهادية" فهي تعدّ الآن لمؤتمر وطني عام تحضره جميع مكونات الشعب السوري، وهي تخطط لوضع دستور حضاري يتم الاستفتاء عليه، ثم بانتخابات حرة ينتخب من خلالها الشعب السوري القيادة التي يريدها.
ثانياً: تجربة "هيئة تحرير الشام" في "إدلب" حيث سيطرت على منطقة تضم (5) مليون نسمة، وكان هناك رضا شعبي عام عن أدائها، الأمر الذي مثلّ "أنموذجاً" لما يمكن أن يكون عليه الوضع في سوريا الكبرى مستقبلاً.
ثالثاً: توق الشعب السوري بكل مكوناته وطوائفه وشرائحه إلى الحرية والاستقرار بعد أن ذاق الأهوال على يد النظام الاستبدادي السابق ولمده تزيد عن (53) سنة، ولعلّ من الواضح أن "المزاج الشعبي" السوري الحالي سوف يكون رافعة حقيقية لسوريا الجديدة المستقرة، والديمقراطية، والمنفتحة على نفسها وعلى العالم.
رابعاً: التوجه العربي الواضح في دعم الإدارة السورية الجديدة بخططها المُعلنة والدليل على ذلك مؤتمر العقبة الذي انعقد بحضور عربي ودولي دعماً لسوريا الجديدة، وكذلك مؤتمر الرياض (الخليجي، العربي، الدولي) الذي أكد دعم الشعب السوري، ومساعدته على رفع العقوبات، وتجاوز كل ما يمكن أن يؤثر على سوريا واستقرارها، ووحدة أراضيها.
خامساً: الدعم الدولي الواضح لتوجهات الإدارة السورية الجديدة وبالذات من الدول الغربية النافذة. صحيح أن هذه الدول ما زالت تسير بتأنٍ فيما يتعلق برفع العقوبات، وما زال بعضها متشككاً في توجهات الإدارة السورية الجديدة بالنظر إلى خلفيتها الفكرية والتنظيمية، ولكن من الواضح أن الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وبقية الدول الغربية هي في صدد دعم النظام الجديد، والتدرج في رفع العقوبات عنه، ومحاولة الحيلولة دون عودة سوريا إلى التحالف مع روسيا وإيران وغيرهما من القوى المناوئة للغرب.
إن الإدارة السورية الجديدة إذا أوفت بتعهداتها أمام شعبها وأمام العالم سوف تعبر من المرحلة الدقيقة الحالية والأمر يعتمد على كفاءتها والتزامها أثناء التعامل مع المخاطر العديدة المتمثلة في كل ما أشرنا إليه سابقاً، وليس لنا إلا أن نأمل بأن يفوز الشعب السوري بحريته واستقراره في بلده الواحد الموّحد المتطلع إلى مستقبل واعد.