في القرن السابع عشر اعتاد القضاة في أوروبا على سلخ جلد المحكوم عليهم بالإعدام واستخدامه "مجلداً" لحفظ القضية ، حينها كان الفعل مدعاة للفخر، ولكن اليوم مجرد التفكير به يثير الرعب.
تتغير المنظومة الأخلاقية والمفاهيم الإنسانية، فتُعاد قراءة تلك التجارب بعيون أكثر وعيًا، وأكثر شجاعة في مواجهة الحقيقة، وتصبح كرامة الإنسان فوق كل اعتبار .
تتسامى القيم الإنسانية لدى الشعوب ، تبدأ بضم الكلاب والقطط لعالمها، تتعامل معها كما لو كانت جزءا من حياتها، ينظر لذلك باستهجان من شعوب أخرى ترى أن الحيوانات غريبة عن عالمها، ثم تنتقل العدوى لها، تبدأ صرخات متجذرة بالنبل والأصالة تدعو لنقل التجربة ، ثم يتقبل العالم فكرة وجود مؤسسات لحماية حقوق الحيوانات.
كان ثمة محل يبيع "الشوكولا" في العاصمة عمان، وخلال سنوات ترددت عليه كما لو كنت مدمن، شوكولا لا مثيل لها في العالم كله، وكان كل شخص اعطيه منها يسألني عن مصدرها ، ثم جاء يوم توقف المحل عن بيعها، وأخبرني أنها شوكولا سورية ، وأن السبب بقانون قيصر الذي طوق البضائع السورية بسلسلة عقوبات.
في البداية أثار قانون قيصر الكثير من الجدل بالنسبة لنا، كان القانون عقابًا، وشعرت بالغضب من اختفاء تلك الشوكولا من الأسواق، ولكن بعد سنوات، ومع انكشاف صور السجون السورية وقصص التعذيب والدمار، شعرت بالندم على موقفي السابق، أحيانًا، لا ندرك خطأ رؤيتنا إلا عندما نرى الصورة كاملة.
اليوم، نعيش في عصر تتلاشى فيه عصور الظلام تدريجيًا، ويقترب فيه العالم من نهاية دكتاتوريات غير شجاعة، ترفض مواجهة شعوبها بالحقيقة وتختبئ وراء القمع، التاريخ مليء بمظاهر الوحشية التي كانت تُعتبر طبيعية في وقتها، فهل كان أمراً طبيعياً أن يتوجهوا بالشكر لدول أقرب لكوكب عطارد منها إلى الأرض، ويتغافلون عن الجار الذي انغمس بالكامل لخدمتهم.
منذ أحداث سبعة اكتوبر قتلت حماس ٥٠٠ مواطن فلسطيني بسبب انتقاده للحرب!, تصور أن يقتل الإنسان بسبب إبداء الرأي!, ومن مجموعة لم تصل الحكم بالانتخابات وإنما صعدت على سلم الفوضى، ومن ثم تجد وزراء سابقين ومجموعة من المؤدلجين يتجاوزون عن جراحات أهلنا العميقة في غزة, يتحدثون بالنيابة عنهم، يركبون موجة الإعلام التعبوي ويتهمونا بالحمية!.
قد تجد من ينظر لهذه الجرائم بعين الفخر ، يكون الأمر طبيعي بوصف الفلسطيني الذي أبدى رأيه بالخائن، لكن عندما تظهر الصورة بالكامل نكتشف أنهم كانوا ٥٠٠ فلسطيني حر ، قتلوهم بسبب إبداء الرأي!!.