ما بعد مشروع الناقل الوطني للمياه
م. إبراهيم احمد حياصات
21-01-2025 10:47 AM
يعاني الاردن عاماً بعد عام من المتغيرات المختلفة في ادارة التزويد المائي وتلبية الاحتياجات الاساسية من المياه ومواجهة التحديات غير المسبوقة لشح المصادر المائية، المثقلة بالتغيرات الديموغرافية والنمو السكاني الناجم عن تزايد افواج اللاجئين وتأثير التغير المناخي والاستنزاف المُفرط للمياه الجوفية واشتراك معظم مياهنا السطحية مع دول الجوار، مما يفرض على الاردن حاجته الماسة الى البحث المستمر عن موارد مائية إضافية سيما وان حصة الفرد السنوية من المياه العذبة المتجددة المتاحة حاليا تناقصت لتصل إلى 61 متر مكعب في العام، وهي أدنى بكثير من خط الفقر المائي المطلق المتعارف عليه دوليا والمقدر ب 500 متر مكعب للفرد في العام.
ومع استمرار استنزاف المصادر الجوفية، فسوف تتأثر كمية ونوعية تلك المصادر وتزداد نسبة الملوحة في العديد منها ولن تكون صالحة للاستخدامات البلدية (المنزلية والسياحية والصناعية). وإذا ما استمر هذا الوضع بدون توفر مصادر إضافية، فمن المتوقع أن تصبح حصة الفرد السنوية من المياه العذبة في تناقص لتصل الى حوالي 35 متر مكعب عام 2040.
وأمام هذا الوضع، لم يعد امام الاردن الكثير من المصادر المائية الاّ البحث عن مصادر غير تقليدية عالية التكاليف الرأسمالية والتشغيلية مثل تحلية مياه البحر (مشروع الناقل الوطني) او استغلال المياه العميقة (والتي تتضارب الآراء على مدى جدواها، ولا مجال للبحث فيها ضمن هذا المقال) وكِلا الخياران سيشكلان عبئاً مالياً كبيراً على الدولة ويزيد من الدعم الحكومي لقطاع المياه.
لقد ارتأت الحكومة السير في خيار تحلية مياه البحر من خلال مشروع الناقل الوطني كإستجابة للحاجة الماسة لزيادة كميات المياه كمصدر غير تقليدي وبتكاليف رأسمالية وتشغيلية عالية.
ويعتبر مشروع الناقل الوطني من المشاريع الوطنية الاستراتيجية المهمة الذي يعزز الامن المائي للاردن ويضمن تزويد حوالي 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً للمساهمة في تلبية الاحتياجات المتزايدة، بحيث يشكل عند الانتهاء منه المتوقعة خلال عام 2029، إضافة نوعية وكمية تضاف الى المصادر الحالية لتلبية الطلب وسد الاحتياجات لغايات الاستخدامات البلدية.
وقد قطع المشروع شوطاً كبيراً خلال السنوات الخمس الماضية على طريق التنفيذ تُوّج بتوقيع الاتفاقية المبدئية خلال الاسبوع الماضي بين الحكومة والإئتلاف الذي تقوده شركة ميريديام، مما يتيح للإئتلاف إستكمال الغلق المالي والمباشرة في التفاوض مع البنوك والجهات التمويلية لتغطية المبالغ المتبقية واللازمة لتنفيذه.
وبحسب استراتيجية قطاع المياه 2023 – 2040، والتي قدمت رؤيه واقعية تستند الى التجربة الطويلة التي اكتسبها قطاع المياه في اعداد الاستراتيجيات، ونظرت بواقعية الى المؤشرات والاتجاهات الاساسية التي ممكن ان تؤثر على تحقيق الاهداف الموضوعة والتنبؤ بالمعيقات المتوقعة ورسم سيناريوهات لتجاوزها، فإن كميات المياه الحالية بما فيها المضافة من مشروع الناقل الوطني سوف تساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط على ادارة الطلب على المياه وتلبي جزءاً كبيراً من احتياجات التزويد المائي البلدي لغاية العام 2035. وهذا يتطلب منا النظر بعناية وعدم المبالغة في سقف التوقعات للوضع المائي بعد تشغيل المشروع. بمعنى آخر، فإنه بعد البدء بتشغيل المشروع ستتوفر كميات مياه مريحة لتلبية الاحتياجات ولمدة حوالي خمس سنوات (حتى 2035) وسوف نعود بعدها تدريجياً الى الوضع الحالي وتناقص كميات المياه والعجز في الموازنة المائية في حال لم يتم البحث عن مصادر أخرى يتم تشغيلها بحلول العام 2035.
ومن هنا، فإننا امام وضع يتطلب البحث الدائم عن مصادر مياه إضافية لمواجهة الاحتياجات المتزايدة وخصوصاً مع اشداد تأثير التغير المناخي والتزايد السكاني. وعند ابرام الاتفاقية النهائية لمشروع الناقل الوطني، أو اي مشروع مستقبلي، فعلينا التفكير بالمشروع الذي يليه والتجهيز لتنفيذه حتى نستمر في توفير كميات مياه تلبي الاحتياجات المتزايدة مع التركيز على الحلول التكنولوجية في عمليات التشغيل والصيانة والاستفادة من المصادر.
وتبقى المعضلة الرئيسية في عملية التزويد المائي للسنوات الخمس القادمة، ولحين تشغيل مشروع الناقل الوطني، هي أدارة الطلب على المياه وتأمين استمرارية التزويد المائي في حده الادنى، خصوصاً مع تناقص انتاجية بعض المصادر الجوفية نتيجة ازدياد نسبة الملوحة فيها.