الدعم النفسي في غزة جزء أساسي من التعافي والتعويض
محمد الخطيب
21-01-2025 01:11 PM
لا تقتصر الآثار النفسية السلبية الناتجة عن العدوان على الأطفال فحسب، بل تمتد لتشمل الأهل في قطاع غزة، الذين يعانون بشكل خاص من الضغوط النفسية الناجمة عن فقدان أحبائهم، وتدمير ممتلكاتهم والبنية التحتية، والعيش في بيئة مليئة بالخوف الدائم من الهجمات العسكرية للاحتلال والتهجير القسري وزيادة مستويات التوتر والقلق والجوع والفقر والمستقبل المجهول.
في هذا السياق، يصبح الدعم النفسي للأهل جزءًا لا يتجزأ من عملية التعافي والتعويض، حيث أن صحتهم النفسية تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على رعاية أطفالهم واحتوائهم، وبالتالي على قدرة الأسرة والمجتمع على النهوض مجددًا.
ومما لاشك فيه، يشهد الأطفال في غزة تجارب مريرة نتيجة الحروب المتكررة، حيث يواجهون مشاهد مروعة من القصف، والدمار، وفقدان الأهل، والتهجير القسري. هذه التجارب قد تؤدي إلى مجموعة من الاضطرابات النفسية، مثل القلق، والاكتئاب، والصدمات النفسية الحادة واضطرابات في النوم، وفقدان التركيز، وصعوبة في التفاعل الاجتماعي، بالإضافة إلى الخوف المستمر من وقوع مزيد من الهجمات.
بشكل عام فإن العواقب النفسية للأطفال في مناطق الحروب لا تقتصر على المدى القصير، بل تمتد إلى المدى الطويل، ما يؤدي إلى مشكلات في النمو العاطفي والاجتماعي وحتى العقلي. هذه الآثار يمكن أن تتسبب في تأثيرات سلبية على تطور الطفل وقدرته على التكيف مع المجتمع في المستقبل، مما يجعل الدعم النفسي عاملاً حاسماً في مساعدتهم على التغلب على هذه الصدمات.
والمراقب والمتابع للمشهد في قطاع غزة منذ سنوات طويلة، يدرك تماما انه تم إعداد المجتمع الغزاوي وبما فيهم الاطفال، بشكل مختلف نتيجة للظروف التي عاشوها، ونحن نعي تمامًا أن أطفال غزة تربوا على القيم الإسلامية الصادقة التي تعزز الصبر والتحمل في مواجهة التحديات والصعوبات منذ نعومة أظافرهم، يتعلمون من البيئة المحيطة بهم كيفية الصمود أمام الأزمات، وقد زرع في قلوبهم حب الوطن والإيمان العميق بأن كل محنة يمكن تجاوزها بالصبر والإيمان.
ولكن في الوقت نفسه تعلموا أن الأمل والتفاؤل يجب أن يكونا جزءًا من حياتهم اليومية، رغم المعاناة المستمرة، ويظهرون قوة داخلية وقدرة على التكيف مع الأوضاع الصعبة، وهذا ما يعكسه سلوكهم في التعامل مع المحن التي يواجهونها.
ومع ذلك، فإن الظروف النفسية الناتجة عن الحروب قد تكون عبئًا ثقيلًا على الأطفال رغم تربيتهم القوية، فبينما تمنحهم تربيتهم الصبر القدرة على التحمل، إلا أن الاحتياجات النفسية لا يمكن إغفالها.
ومن هذا المنطلق فان دعم الأطفال في غزة لا يجب أن يقتصر على مساعدتهم في توفير الطعام والشراب والرعاية الصحية وإعادة فتح المدارس وتوفير المسكن الملائم لهم، بل يجب أن يشمل أيضًا دعمًا نفسيًا يعينهم على التغلب على آثار الصدمات النفسية الناتجة عن التجارب القاسية التي مروا بها، ومساعدتهم في استعادة توازنهم النفسي والعاطفي، ومواصلة حياتهم بأمل وأفق مستقبلي أفضل.
وعليه من غير الممكن أن يتم تجاوز آثار العدوان على قطاع غزة من خلال إعادة الإعمار المادي فقط، فإعادة بناء المنازل والبنية التحتية أمرًا حيويًا، ولكن يبقى الأهم إعادة بناء الإنسان، فالدعم النفسي للأطفال في غزة يعد أداة أساسية في تحقيق هذا الهدف، كما يسهم هذا الدعم في تحفيز الأمل لدى الأطفال في مستقبل أفضل، وهو أمر بالغ الأهمية بعد تجربة الصدمات النفسية الناتجة عن العدوان.
في هذا السياق، تقع على عاتق منظمات المجتمع المدني الدولية والعربية والمحلية، مسؤولية ضخمة في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، من خلال توفير برامج رعاية نفسية شاملة تهدف إلى مساعدة الأفراد، وخاصة الأطفال والأسر المتضررة، على التعامل مع الآثار النفسية التي خلفتها الحروب.
إن توفير برامج رعاية نفسية فعّالة للمجتمع في غزة ليس فقط ضروريًا للشفاء النفسي للأفراد والاطفال، بل يعد جزءًا أساسيًا من بناء مجتمع قادر على الصمود والتقدم ليتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية، ولتمهيد الطريق أمامهم لمستقبل أفضل وأكثر استقراراً.