د. طلال ابو غزالة يدق ناقوس الخطر
يوسف عبدالله محمود
22-01-2025 02:09 PM
بداية اعترف انني اثمن عالياً ما يكتبه قلم د. طلال ابو غزالة في شؤون الاقتصاد، فهو بحق عالم وخبير اقتصادي لا يشق له غبار. مفرداته إن في كتاباته او في محاضراته بعيدة عن الخطابة والانشاء. من خلال دراساته واجتهاداته يطرح قضايا كبيرة عدم حلها حلاً جذرياً يُبقي عالمنا عرضة للهزات والازمات التي تضاعف من معاناة الجنس البشري.
في محاضرة له في منتدى عبد الحميد شومان بعنوان "دور الاقتصاد العربي والعالمي في مفترق طرق" أُلقيت في 26/5/2008م، ابدى ابو عزالة بعض اجتهاداته حول متغيرات عالمية مستقبلية، اثبتت الايام صحة الكثير منها.
تحدث عن "النفط" وعلاقته بالكوارث العالمية. تساءَل: ماذا لو انهار سوق النفط؟ ماذا لو نضب مخزونه في بلدان الخليج مثلاً؟ أية كارثة ستحدث!
ماذا لم تم ضرب ايران -ولو انه مستبعد ذلك-؟ هنا اقتبس كلماته: "إن ذلك سيعني إقفال مضيق هرمز، وبالتالي منع مرور النفط لى دول العالم برمته والذي سيقود الى انهيار الاقتصاد العالمي، علماً ان اغلاق هذا المضيق لا يحتاج الى جيش ولا الى طائرات، لان مجرد اغراق سفينة شحن واحدة في هذا المضيق سيؤدي حتماً الى اغلاقه".
بدوري اقول ان التهديد بضرب ايران في ظلّ حكم اليمين المتطرف في امريكا واسرائيل لم يعد مجرد (نكته) على حد قول العالم "ابو غزالة". الحربان العالميتان اللتان حصدتا ملايين البشر اشتعلتا فجأة وبسبب غرور ركب رؤوس ببعض قادة العالم آنذاك. "الفاشية" التي سادت آنذاك تلقانا اليوم مثلها!
في محاضرته يشير الى ان جوهر الازمة التي يواجهها العالم المتقدم في انه يطمح الى الحصول على اموال هذه المنطقة (ويقصد المنطقة العربية) دون المنطقة ذاتها.
وحول هذا الطموح غير الانساني يقول ابو غزالة: ".. ومن المؤسف ان ثلاث جهات مهمة هي صندوق النقد الدولي و(OECD) والحكومة الأمريكية تدرس حالياً وضع ما يُسمى بِ(السلوك المهني للفوائض العربية)، اي لحصر القطاعات التي يسمح لهذه الفوائض ان تستثمر فيها". وهنا اتساءل: أليس في ذلك اذلال لنا كعرب؟ اليس فيه اختراق مهين للسيادة العربية؟ انهم يريدون من رأس المال العربي ان يخدمهم في الدرجة الاولى!.
يؤكد ابو غزالة في محاضرته العميقة الدلالات "ان الغرب ابتداء من الآن سيحتاج الى ثلاثة عناصر من منطقتنا هي: النفط والفوائض المالية واسواقنا.
ومع انه "متفائل بأن الغرب سيقيم معنا علاقة شراكة حقيقية لأول مرة". فإنني -مع احترامي لوجهة نظره- لا اشاطره هذا التفاؤل لأن هذه الشراكة لا تقوم على الندّية والتكافؤ، فهي بين فريقين لا يوجد بيهما تكافؤ، هناك مُستغِل -بكسر الغين- ومُستغَل -فتح الغين-! يستحيل ان يلتقيا!
وفي موضع آخر من محاضرته ينتقد ابو غزالة المقولة التي اعتاد البعض ترديدها "من ان السلام يأتي بالازدهار". وفي رأيه "هذه تندرج في باب الطرائف" فالازدهار يأتي من داخل اقتصاد الدولة ومن عناصرها الاقتصادية". ويضيف ".. بل ان الازدهار الناتج عن الحرب ليس مستحيلاً، إذا تذكرنا اغنياء الحروب والصناعات المرافقة للحرب! وينبغي ان يظل الخيار بين الحرب وبين السلام متساوياً، لأن لكل منهما مميزاته".
وفي حديثه عن المستقبل بعد انهيار النفط، يقول: "أما المستقبل بعد انهيار النفط، فسيكون لأفريقيا". وللتأكيد على اجتهاده هذا يشير الى "هرولة" الصين الى الاستثمار هناك حيث غدت اللاعب الرئيس في افريقيا.
"... وأرى -والكلام لطلال ابو غزالة- انه بدءاً من العام 2030م وحتى العام 2050م سيظهر عملاق اقتصادي جديد يتثمل في افريقيا".
طلال ابو غزالة بتنبؤاته لمستقبل العالم قد اعتمد على معطيات تقرأ مستقبل البشرية قراءة واعية وعقلانية.
وفي محاضرته يشير الى دراسة امريكية تذكر ان العالم "سيصل في العام 2030 الى انهيار اقتصادي عالمي. ويتنبأ اصحاب الدراسة ان الامريكيين لن يتمكنوا من ركوب السيارات ولا الطائرات لانهم لن يجدوا النفط".
هل تصدق هذه النبوءة ام ان فيها بعض المبالغة؟
طلال ابو غزالة يربط بين السياسة والاقتصاد "لا وجود لأي قرار سياسي مُفرغ من الجوهر الاقتصادي".
اختم بالقول ان طلال ابو غزالة في محاضرته قد ابدى اجتهادات تستشرف مستقبل العالم بعد انهيار سوق النفط، وفي نصيحته لدولنا العربية دعاها "ان تكون على بيّنة كيف تدير اقتصادها وتتعامل مع مصالحها".
وفي تصوري انها لن تتمكن من ذلك الا اذا ربطت بين قراراتها السياسية وجوهر اقتصادها.
دون ذلك لن تحقق الطموحات التي ترنو اليها شعوبها.
ملاحظة: نص محاضرة د. طلال ابو غزالة، منشور في كتاب "العرب والمرحلة الاقتصادية الجديدة"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
[email protected]