هل حان الوقت للنزول عن الحصان الميت؟
د. ثابت النابلسي
23-01-2025 10:29 AM
يبدو واضحاً أنه حصان ميت. يقول المثل:
“إذا كنت تركب حصانًا ميتًا، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو النزول عنه”.
لكن في عالم الإدارة، غالباً ما تكون هناك العديد من الممارسات الخاطئة تجاه هذه الحالة، حيث يتم إنكار واقع موت الحصان والوهم بأنه لا يزال على قيد الحياة. يبدأ العمل الجاد في استثمار الأموال والجهود أملاً في تحقيق نتائج أفضل، وقد يتم تغيير القيادات والمراهنة على قدرتها على النجاح، مع الاستمرار في إعادة تقييم الوضع بطريقة تعزز الوهم، دون الاعتراف بالفشل أو بواقع موت الحصان.
وهنا تتفاقم المشكلة وتزداد تعقيداً، ويصبح اتخاذ القرار أكثر صعوبة، حيث تظهر أزمة إيجاد حلول مناسبة لمشكلة ينكرها الجميع.
لقد أصبحوا شركاء في جريمة التستر على موت الحصان، فاشتروا له سرجاً جديداً وزينة ذهبية ورشّوه بأجمل العطور لتضليل العقول.
نظرية “الحصان الميت” في الإدارة (Dead Horse Theory) هي استعارة تُستخدم لوصف كيفية تعامل المؤسسات مع المشكلات التي لم تعد قابلة للحل أو ذات جدوى.
نشهد يومياً تطبيقاً واضحاً لهذه النظرية في الكثير من المشاريع التي يُنكر فشلها، ويستمر تنفيذها وتكرارها سنوياً. وهذا يعني أننا نخسر الكثير من الفرص والموارد المالية والبشرية.
نتابع برامج كثيرة في مجال ريادة الأعمال تستهدف الشباب، لكن دون تحقيق نتائج حقيقية ،كما تُنفَّذ مشاريع ضخمة ممولة دولياً لتمكين المرأة والشباب، يُنفق عليها الكثير من الأموال، وتُدار من قبل نفس الجهات والمدربين والمستشارين، دون نتائج ملموسة.
وهذه النجاحات التي نراها غالباً ما تكون مشاريع طموحة تحققت بعزيمة وإصرار أصحابها، بينما يستعين أصحاب الحصان الميت بهذه النجاحات لتجميل الواقع الفاشل وإنكار الفشل.
تقدم العديد من الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة برامج تدريبية ومبادرات تُمرر في الاجتماعات، وتُنفذ كل عام دون أي جدوى ملموسة على أرض الواقع.
لقد قدم علماء الإدارة مثل “بيتر دراكر” و”جون كوتر” نماذج يمكن أن تساهم في تجنب الوقوع في فخ الحصان الميت. ومن خلال خطوات عملية بسيطة، يمكننا الاستفادة منها، وأهمها:
- الشجاعة في الاعتراف بالخطأ والفشل واتخاذ القرارات بإيقاف المشاريع أو المبادرات التي لا جدوى منها.
- اتباع نهج إبداعي لحل المشكلات والابتعاد عن الحلول التقليدية.
- التركيز على تحقيق الأهداف وعدم الانحراف عن مسار العمل القائم على قياس الأداء وتحقيق النتائج.
- اعتماد المراجعة الدورية للمشاريع والبرامج لمعرفة مدى نجاحها ومراحل تنفيذها.
كما أن تعزيز ثقافة الاعتراف بالفشل والتفكير الابتكاري يساهم بشكل كبير في تقليل خطر الوقوع في كارثة إنكار موت الحصان.
خلاصة القول…
في الإدارة، الشجاعة لا تعني فقط مواجهة التحديات، بل أيضاً القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، مثل النزول عن “الحصان الميت” عندما يتطلب الموقف ذلك.
إن المؤسسات الناجحة هي تلك التي تمتلك الجرأة لإعادة النظر في استراتيجياتها، والمرونة لتغيير مساراتها، والابتكار لاستثمار مواردها في مبادرات تحقق أثراً حقيقياً ومستداماً.
قد تكون الخطوة الأصعب هي التوقف عن المحاولات غير المجدية، لكنها بالتأكيد الخطوة الأولى نحو النجاح.
ودمتم فرساناً للخيول الأصيلة.