يوصف بأقسى درجات الجحود، فهو يتربع على عرش الكلمات التي ترمز لما بعد الموت، ومع ذلك يبقى النسيان وصفة جيدة للتخلص من الأحزان والهموم، وبينما تتأثر كيمياء الجسد بالأدوية والمسكنات وحتى "الحشيش"، فإن كيمياء النفس تلجأ إلى الكلمة والحكمة، هذا البحث المستمر عن الخلاص قد تطور عبر التاريخ ليشمل المعتقدات الدينية، التي يتباين الناس في فهمها بين الإيمان بها أو وصفها بـ"أفيون الشعوب".
نحن نحتفظ بذكريات جميلة تجاه من نحب، نحفظ تواريخ أعياد ميلادهم، ونتمنى لهم السعادة وتحقيق أحلامهم. وعلى مستوى أوسع، تحتفظ الشعوب بذكريات أعياد الاستقلال والثورات والانتصارات التي تشكّل جزءًا من هويتها، لكن حين يتعلق الأمر بإدمان الأيديولوجيا فإننا أمام تهديد حقيقي لذاكرتنا الجماعية وهويتنا الوطنية.
إذا قارنا بين إدمان الحشيش وإدمان الأيديولوجيا، نجد أن الأيديولوجيا التي تغسل العقول وتُشعل التطرف أكثر قدرة على تدمير الهوية، فبينما يعود مدمن الحشيش إلى وعيه بعد زوال تأثير المادة، يعيش مدمن الأيديولوجيا في غيبوبة فكرية مستمرة تجعله ينتمي إلى جماعات أو أفكار خارجية على حساب انتمائه لوطنه.
في هذا السياق، إذا وضعنا شخصين، أحدهما مدمن حشيش والآخر مدمن أيديولوجيا في مسابقة نسيان، فإن الأول سيتذكر هويته بمجرد انتهاء تأثير الحشيش، بينما يظل المؤدلج أسيرًا لفكره المدمر، الذي يُنسيه جذوره وانتماءه الحقيقي.
إن خطر الأيديولوجيا يكمن في قدرتها على إعادة تشكيل الولاء والهويات، حيث تسلب الإنسان انتماءه للوطن وتستبدله بولاء خارجي مبرمج، والحل يكمن في تعزيز الوعي بالهوية الوطنية، والاعتماد على التعليم والتثقيف كوسائل لمواجهة هذا الخطر، فقط عندما تستعيد العقول استقلالها، يمكن للأوطان أن تحمي هويتها وتضمن بقاءها.