حان الوقت لنقل الأمم المتحدة والقانون الدولي بعيدا عن الغرب
الدكتورة شهد حموري
09-02-2025 07:13 PM
السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، يمزق ورقة تحمل عنوان "ميثاق الأمم المتحدة" أثناء مخاطبته مندوبي الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك في 10 مايو 2024.
لطالما تمتعت إسرائيل "بحصانة استثنائية" في الساحة الدولية، ما وضع القانون الدولي ومؤسساته على حافة الخطر. فقد أقدمت إسرائيل على "قتل موظفي الأمم المتحدة"، وحظرت عمل "الأونروا"، ومنعت ممثلي المنظمة من الدخول، وأهانت "الأمم المتحدة ومسؤوليها" مرارًا وتكرارًا. لم تكتف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وحلفاؤها بذلك، بل مارست ضغوطًا مكثفة على "المحكمة الجنائية الدولية" لمنعها من التحقيق في "الجرائم الإسرائيلية"، مستخدمةً كافة الوسائل الممكنة، من التهديدات المباشرة إلى العقوبات والتشهير. وقد تصاعدت هذه الهجمات بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية "مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.”
الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وهو من أبرز المؤيدين لإسرائيل، وقع أمرًا تنفيذيًا لإعادة فرض العقوبات على "أعضاء المحكمة الجنائية الدولية"، في خطوة تعكس نهجًا معاديًا للتعددية الدولية. هذا النهج لم يقتصر على المحكمة الجنائية الدولية، بل امتد ليشمل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية "باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية"، مما يعد هجومًا مباشرًا على النظام الدولي القائم. وفي خطاب أخير، تفاخر الرئيس الأمريكي بتجاهله التام للقانون الدولي عندما أعلن نيته "الاستيلاء على غزة وامتلاكها".
كل هذه التطورات تطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النظام العالمي بقيادة الأمم المتحدة. ورغم تأسيسها عام 1945 بهدف "إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب"، إلا أنها أخفقت في تحقيق هذا الهدف. لقد أصبح السلام حكرًا على الدول المتقدمة اقتصاديًا، بينما تُشن الحروب بالوكالة في الدول التي كانت مستعمرة سابقًا. فهل ينبغي التخلي عن فكرة النظام القانوني الدولي بالكامل؟
مع تزايد المخاطر التي تهدد العالم، مثل "تغير المناخ والتصعيد العسكري"، تبرز الحاجة إلى نظام قانوني أكثر عدالة، لا يخضع لنفوذ الدول القوية، لطالما دعا المفكرون إلى إصلاح هذا النظام. فقد اقترح عالم القانون التشيلي البارز، أليخاندرو ألفاريز، قبل نحو سبعين عامًا، إنشاء "قانون دولي جديد" يستوعب اللحظة التاريخية لإنهاء الاستعمار ويعكس مصالح الدول التي تحررت منه. غير أن هذه الجهود أُجهضت بفعل النفوذ الهائل للدول المتقدمة، التي احتكرت تعريف القانون الدولي بما يخدم مصالحها.
نحن اليوم أمام منعطف تاريخي يتطلب تجديد هذه الجهود إذا كنا نريد الحفاظ على النظام القانوني الدولي. إن العمل من أجل فلسطين يمكن أن يكون حافزًا لهذا التغيير، إذ إن "الإبادة الجماعية" في غزة تجسد نموذجًا لأنماط أوسع من الاستغلال والهيمنة التي تحكم النظام العالمي الحالي. وقد بدأت دول الجنوب العالمي بالفعل في اتخاذ خطوات جادة، حيث قدمت عريضة وقع عليها أكثر من 500 باحث قانوني تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عزل إسرائيل، في محاولة للحفاظ على شرعية المنظمة الدولية.
لكن هذه الجهود قوبلت بتهديدات مباشرة، إذ أرسل الكونجرس الأمريكي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تهدد بسحب التمويل الأمريكي إذا مضت المنظمة قدمًا في هذا القرار. إن هذا التهديد العلني يعد شكلًا من أشكال الإكراه الاقتصادي، الذي يقوض استقلالية الأمم المتحدة ويجعلها رهينة للنفوذ الأمريكي.
إذا قررت الولايات المتحدة خفض تمويلها للأمم المتحدة، فهناك رد واضح يجب اتخاذه: نقل الأمم المتحدة خارج الولايات المتحدة، نقل مقر المنظمة من نيويورك إلى إحدى دول الجنوب العالمي من شأنه أن يقلل التكاليف، ويعزز دعم الدول النامية لها، ويمنحها مساحة أكبر للعمل باستقلالية بعيدًا عن نفوذ القوى العظمى.
أما على المستوى المؤسسي، فإن التاريخ يوضح الحاجة إلى "تفكيك الهياكل التي تكرس القوة الإمبريالية"، مثل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. لطالما دعت شخصيات بارزة في "حركة إنهاء الاستعمار"، مثل توماس سانكارا وأميلكار كابرال، إلى إلغاء هذه المؤسسات أو إصلاحها بشكل جوهري. ينبغي أيضًا منح "الجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية" المزيد من السلطة، وهو ما أكده القاضي الجزائري محمد بجاوي مرارًا.
في هذا السياق، يجب أن يكون هناك دفع نحو تطوير القانون الدولي بسرعة، بحيث يعكس تحديات العصر ويخدم مصالح جميع الدول، لا القوى الكبرى فقط. جزر المحيط الهادئ، على سبيل المثال، تتحدى بالفعل القيود التقليدية للقانون الدولي عبر مطالبة محكمة العدل الدولية بالنظر في مسؤولية الدول عن تغير المناخ.
في الختام، لم يعد بالإمكان الحفاظ على النظام القانوني الدولي بالشكل الحالي. إذا أردنا عالمًا أكثر عدالة، فإن نقل الأمم المتحدة وإصلاح مؤسساتها يجب أن يكون خطوة أساسية نحو تحقيق هذا الهدف، وإن بقاء النظام القانوني الدولي مرهونٌ بقدرته على التحرر من "الهيمنة الغربية"، والعمل على تحقيق العدالة لجميع الشعوب، وليس فقط لمن يملكون "النفوذ والسلطة.”