كانت "الرأي" في ذلك الزمان شيئا اخر.. كانت أكثر من صحيفة.. وأكبر من صحيفة.. كانت في جميع حالاتها مثل البتراء وجبال رم..
.. وفي "الرأي" فطن أحمد سلامة.. ابن "بديا" بكسر الباء وسكون الدال وفتح الياء.. على أطراف نابلس.. فطن الى الهوية وفطن الى الرسالة.. رسالة دورها الوطني، حتى تمتد مثل عروق الياسمين، تعانق الناس على امتداد الوطن بمختلف تفاصيله..
كان احمد يرى ويسمع بحواسه كلها.. ومن هنا رأى الأردن من اليرموك في شماله وحتى العقبة في جنوبه.. وكان ظل حبيبه يترامى بفروسية تاريخية نادرة فوق روابي "أبونصير" على كتف عمان التي كانت القلب النابض الذي يضخ الدم الى جهات الأردن الأربع..
أحمد.. الذي كان قد قرأ في "الصوفية" و"التصوف.. قرأ "الحلاج" و"ابن الفارض".. واسعفته طاقته الابداعية ليملأ عروق الكثير من مقالاته بالدم الصوفي الطاهر الزكي..
واصل رحلته من الرأي، في زمن كانت الدنيا قد عجزت ان تفتن "احمد" عن شيء.. لا عن عشقه "الهاشمي" ولا عن "الأردن" ولا عن القضية.. فكان لابد من اللجوء الى الوشايات واساليب الدس المعروفة في كل البلاد الصغيرة.. ففي هذه البلاد يخلق الولاء والنقاء والوطنية والنجاح اعداء كثيرين للانسان..
هؤلاء الاعداء لا يعدمون وسيلة يرمون بها اعداءهم.. فويل لعدوهم اذا كان رجل قيم ومبادىء.. وويل له الف مرة ان كان رجل ثقافة وخلق.. بحجم احمد..!
لذلك.. فجأة وجد احمد نفسه خارج القاعة الفسيحة، لقد اتسعت هذه القاعة لمئات العجزة والمرتزقة والأدعياء ووسعت لهم ولثرواتهم المنهوبة من دولة الجوار.. وألقي احمد خارج القاعة لا يستر عورته الا حياؤه.. لا يطعمه غير عفته وكبريائه وطهر نفسه..
على كل الأحوال.. بقي "أبورفعت" متشبثا بالمبادىء.. متصوفا في المحراب الهاشمي.. عاشقا للأردن.. رغم أنوف المرتزقة وقطاع الطرق..!