ترامب ومتلازمة العظمة: حين تتحوّل الأنا إلى مأزق عالمي
يحيى الحموري
05-03-2025 07:22 PM
“لقد أنجزنا في 43 يوماً أكثر ممّا أنجزته معظم الإدارات الأمريكية في أربع أو ثماني سنوات، وما زلنا في البداية.” — هكذا تحدث دونالد ترامب، وكأنه يهبُ التاريخَ معنىً جديداً، وكأنّ العالمَ قبله كان فراغاً تائهاً في العدم!
لكن، ماذا لو كان هذا الخطاب أكثر من مجرد استعراض سياسي؟ ماذا لو كان تعبيراً عن حالة نفسية عميقة؟
ترامب ليس مجرد شخصية مثيرة للجدل، بل نموذج لحالة نفسية معقدة تسير على قدمين، وتجسيدٌ حيٌّ لنزعة العظمة بأشد صورها تأثيراً. هذا الرجل، الذي يعتقد أنه أعظم من واشنطن، وأذكى من آينشتاين، وأكثر نفوذاً من روما القديمة، ليس مجرد رئيسٍ سابق، بل هو مثالٌ بارز في علم النفس السياسي!
ولو كان الطب النفسي يبحث عن نموذج سريري لهذه الحالة، لما وجد أكثر دقةً من ترامب! فهو لا يرى في العالم إلا نفسه، ولا يسمع إلا صدى صوته، ولا يثق إلا في رؤيته. كل من يخالفه مخطئ، وكل من يؤيده عبقري، وكل من يعارضه لديه أجندة خفية. إنها حالة نفسية متشابكة، حيث يعيش الرجل في عالمٍ موازٍ، لا قوانين فيه إلا قناعاته الراسخة.
إنها حالة من الانفصال عن الواقع السياسي: إحساسٌ متضخمٌ بالذات، وشعورٌ دائمٌ بالتحدي والمواجهة. وهذه النزعة حين تتجلى لدى شخصٍ عادي، قد تكون مصدر جدلٍ شخصي، لكنها حين تتجسد في رئيسٍ، تتحول إلى قضية عالمية!
المشكلة ليست فقط في ترامب، بل في الجمهور الذي يصفّق لهذا النمط من التفكير، والإعلام الذي يعزز هذا المشهد. لقد رأى العالم كيف يمكن أن تقود القناعات المطلقة زعيماً إلى تحويل الحقائق إلى أوهام، والأوهام إلى شعارات، والشعارات إلى قرارات مؤثرة على مصير الشعوب.
إن التاريخ يخبرنا أن نزعة العظمة المطلقة لا تنتهي نهاية سعيدة. الذين ظنوا أنفسهم فوق النقد انتهوا إلى العزلة، والذين اعتقدوا أنهم فوق المساءلة لم يتركوا وراءهم إلا الأزمات. الفرق الوحيد؟ أن العالم اليوم أكثر هشاشة، وأكثر تداخلاً، وأي اهتزاز في قناعات رئيسٍ مثل ترامب، قد يتحوّل إلى عاصفةٍ تُلقي بظلالها على الجميع!
فاحذروا، فليس هناك ما هو أخطر من رجلٍ يرى نفسه فوق الجميع… ويمتلك السلطة.