كلام في شؤون الضمان الاجتماعي
م.سميح جبرين
19-03-2025 10:18 AM
علينا في البداية أن نفهم وبشرح بسيط فكرة وآلية عمل الضمان الاجتماعي التي تقوم بجمع الاشتراكات المادية من المشتركين، سواء كانوا موظفين أو مشتركين اختياريا، وتقوم بعدها باستثمار هذه الأشتراكات من اليوم الأول لاستلامها وعلى مدار سنوات من عمل المشترك لحين بلوغه سن التقاعد، والمفروض من حيث المبدأ أن ما تم مراكمته من اشتراكات وعوائد استثمارها تكون كافية لدفع الرواتب التقاعدية للمشترك لمدة أقلها عشر سنوات في حال تقاعد الشيخوخة، وأقصاها لمدة 25 عاما في حال التقاعد المبكر ، وهذا على فرض أن متوسط عمر الأنسان في بلدنا يبلغ بحدود السبعين عاماً حسب الدراسات الأحصائية .
ومما سبق نلاحظ أنه كلما زادت سنوات الاشتراك بالضمان، تزداد التراكمات المادية ويصبح الأمر أيسر على مؤسسة الضمان توفير الرواتب التقاعدية دون أن يصبح هناك عجز في مالية الضمان، ومما يبعد نقاط التعادل لسنوات بعيدة .
ومما سبق نلاحظ أيضا أن التقاعد المبكر يشكل حملا ثقيلاً على مالية الضمان بحيث مهما بلغت عوائد استثمار الاشتراكات فهي لن تكون كافية لدفع الرواتب لسنوات تزيد عن عشر سنوات .
بعد هذا الشرح البسيط لآلية عمل الضمان وبعد تجربة أمتدت لأكثر من أربعين عاما ، تبين أن هناك خلل أدى الى الخوف من اقتراب نقطة التعادل، ونقطة التعادل تعني أن نصل لمرحلة تتساوى بها مجموع ما يدخل للضمان من الاشتراكات واستثماراتها مع مجموع ما يتم صرفه من رواتب وتعويضات للمتقاعدين، وبعد ذلك يبدأ العجز بالظهور ويزداد عام بعد آخر حتى نصل لمرحلة نعجز بها عن دفع الرواتب التقاعدية لا سمح الله ولا قدر .
ونتيجة لهذا التخوف وبغرض المحافظة على ديمومة الضمان ،أخذت الإدارات المتعاقبة على مؤسسة الضمان أبتداءا من تسلم الدكتور عمر الرزاز دفة الأدارة ، والذي كان أول من قرع جرس الأنذار وخاض حملة أعلامية ضخمة للتوعية بمخاطر وضع الضمان ونجم عن حملته هذه أول تعديل على القانون في عام 2009 وتعديل آخر في العام 2010 ، والذي تبين لاحقاً أن هذه التعديلات لم تكن كافية ، وكان لا بد من مراجعة جميع مواد القانون حتى وصلنا للعام 2014 حيث تمًت تعديلات كبيرة على القانون والذي تمً إقراره من قبل مجلس النواب تحت رقم 1/2014.
ثمً جاء بعد ذلك تعديل على القانون في عام 2019 ، وتعديل آخر في عام 2023 ، وباستعراض سريع وموجز لأبرز التعديلات مجتمعة نجدها تصب في منحى واحد وهو تعظيم قيمة الاقتطاعات من المشتركين ، وتخفيض في قيمة الرواتب التقاعدية ، ففي قانون رقم 1/2014 تم رفع قيمة الاشتراكات بنسبة 3% بحيث بلغت القيمة الأجمالية للاقتطاعات 21.75 % من قيمة رواتب المشتركين ، كما تم رفع سن التقاعد المبكر مع زيادة نسبة الخصم من الراتب التقاعدي ، كما تم وضع سقف أعلى لقيمة الأعالة بعد أن كانت مفتوحة ، وكذلك تم تعديل معامل المنفعة بحيث أصبح 2.5% لأول 1500 دينار ،و2% لما يفوق هذا المبلغ . ومن ضمن التعديلات المطروحة الآن أمام مجلس النواب هو تعديل على تأمين التعطل بحيث يصبح تأمين تكافلي وليس تأمين أدخاري ، بمعنى أن أشتراكات تأمين التعطل لن تصرف للمتقاعد عند تقاعده .
مسلسل تعديل قانون الضمان لن يتوقف طالما بقيت عوائد الاستثمار غير مجدية ، والتي يجب أن تكون بحدها الأدنى 9% سنوياً، وهذا الرقم ما زلنا بعيدين عنه كثيراً .
أمام هذه المعضلة ، لا بد من التفكير من خارج الصندوق بكيفية رفع التدفقات المالية للمؤسسة ، ولكن ذلك لا يكون بزيادة أخرى على نسبة الاقتطاعات، وإنما بإعادة النظر في بعض التعليمات الجامدة وجعلها تعليمات لينة أمام المشتركين الراغبين بالحصول على رواتب تقاعدية مناسبة لهم . وهنا فأننا نرى وعلى سبيل المثال ، أن تحديد نسبة زيادة رواتب المشتركين أختياريا بنسة ثابتة لجميع المشتركين بكافة مراحلهم العمرية فيه أجحاف لكل من المشترك والمؤسسة ، فلماذ لا نربط قيمة الزيادة المسموح بها بمعادلة تربط ما بين عمر المشترك والفترة المتبقية له لبلوغة سن التقاعد ، بمعنى اذا كان عمر المشترك صغير ومتبقي له سنوات طويلة على استحقاق التقاعد ، فعلينا وإن كان راغباً بذلك ،ان نسمح له بنسبة زيادة أعلى حتى لو كانت هذه الزيادة تشكل قفزة كبيرة براتبه ، وهذا يعني أن قيمة اشتراكاته الشهرية سترتفع على مدار السنوات المتبقية له لحين استحقاقه للراتب التقاعدي ، وهذا ما سيوفر سيولة مبكرة لمؤسسة الضمان تستطيع استثارها لسنوات طويلة قبل أن تبدأ بصرف الراتب التقاعدي للمشترك .
وعلى صعيد آخر، لماذا لا يصار الى استحدات نظام اشتراك يمكن أن نطلق عليه أسم الاشتراك التكميلي، بمعنى أن نسمح للموظف المشترك بالضمان عن طريق المنشأة التي يعمل بها ، والتي بالعادة لا تكون زيادتها السنوية على رواتب العاملين بها مجزية ، وبالنتيجة سيكون راتبه التقاعدي أقل مما يطمح إليه ، لماذا لا نسمح له بدفع اشتراكات من جيبه الخاص بنسب مدروسة ومرتبطة بالمرحلة العمرية التي يمر بها وبالفترة المتبقية له لحين استحقاقه للراتب التقاعدي .
هذه اقتراحات تحتاج لدراسات معمقة من قبل مختصين ماليين يبحثون بها عن اجدى السبل لزيادة التدفقات المالية للمؤسسة بأوقات مبكرة من عمر المشتركين.
إن كل محاولات الترقيع لضمان ديمومة الضمان من خلال أجراء تعديلات متكررة على القانون ، لن تجدي نفعاً ، فالأصل والأساس والعماد هو أن يكون هناك استثمارت مجدية لأموال المشتركين .
ونذكًر أخيرا مؤسسة الضمان بأن عليها أن تتعامل مع جميع مشتركيها بمعايير موحدة ، وأن لا يكون هناك موظفين "سوبر " يسمح لهم بزيادة رواتبهم بقفزات كبيرة وفي أي مرحلة من أعمارهم حتى لو كانت متأخرة ، في حين أن ذلك غير مقبول من موظفين بوظائف بسيطة ومشتركين أختياريا ، فالاصل أن تعالج القفزات بالرواتب بسوية واحدة لجميع المشتركين ،فالضمان يجب أن لا يكون معني بالمسميات الوظيفة ، وإنما فقط بقيمة الاشتراكات التي تردهم من هذا المشترك أو ذاك .