حين تُختبر السيادة بالصمت .. الأردن بين مطرقة الرسوم وسندان التبعية
أ.د. أحمد منصور الخصاونة
12-04-2025 04:43 PM
فرض الرسوم الجمركية على الأردن من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رغم مرور ربع قرن على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، ليس مجرّد خرق قانوني، بل هو صفعة سياسية واقتصادية تستوجب ردًا بحجم الكرامة الوطنية. هذا القرار الجائر ليس مجرد رقم جديد على الورق، بل إعلان صارخ بأن من لا يمتلك أدوات الردع، سيُفرض عليه الواقع لا محالة.
تبرير "المعاملة بالمثل" لا يصمد لحظة واحدة أمام الحقائق: الأردن لم يكن خصمًا تجاريًا للولايات المتحدة، بل سوقًا مفتوحًا، وممرًا آمنًا، وشريكًا نزيهًا صادقا بقيادتة الهاشمية. لكن يبدو أن مفاهيم الشراكة تنهار عندما تهيمن لغة المصالح المطلقة دون اعتبارات العدالة أو الالتزام.
القرار الأميركي كشف عن هشاشة بنياننا الاقتصادي القائم على الاعتماد شبه الكامل على سوق واحد، دون تنويع جاد أو حماية مستدامة. لم نبنِ نموذجًا مرنًا، ولا كوّنا احتياطًا استراتيجيًا للقرار. كنا نحصد الأرقام ونغفل الجذور.
أما البرلمان، فعليه أن يخرج من عباءة المجاملة والتصريحات الباهتة، إلى موقع الفعل والمحاسبة. الشعب لا يريد نائبًا في جاهة لعروس أو صلحة لمفشوخ، بل صوتًا صادقًا يراقب، يشرّع، ويقاتل لأجل حقوق بلاده في ساحات السياسة والاقتصاد.
وعلى الحكومة أن تتحرك سريعًا، لا فقط ببيانات دبلوماسية، بل بخطة متكاملة: قانونية، اقتصادية، وسياسية، تعيد رسم العلاقة مع واشنطن بما يحفظ هيبة الدولة ومصلحة شعبها. ونتمنى لدولة رئيس الوزراء التوفيق في زيارته المرتقبة إلى واشنطن، بشرط أن لا تكون مجرد زيارة مجاملة، بل مواجهة دبلوماسية تحمل في طياتها رسالة الأردن الواضحة: الكرامة أولًا.
لسنا في أزمة جمركية فقط، بل في لحظة اختبار شاملة لفلسفة إدارة الدولة. نحتاج إلى إعادة بناء الاقتصاد، لا إصلاحه بالمسكنات. إلى ثورة في التعليم، لا تغيير مناهج وكراسات فقط. إلى منظومة صحية تُنقذ الكرامة قبل الجسد. لقد فشلنا حتى في تعليم الناس كيف يحبّون وطنهم.
الأزمة ليست في الإمكانيات، بل في الرؤية. في الجرأة على اتخاذ القرار، وفي الإخلاص لما هو أعمق من المناصب: الوطن.
هذه ليست نهاية الطريق، بل بداية مراجعة وطنية كبرى، نعيد فيها تعريف التنمية، ونبني نموذجًا إنتاجيًا حُرًا، مستقلًا، ومتجذرًا في المصلحة الوطنية. نُدرك فيه أن الشراكات الحقيقية تُبنى على الندية، لا التبعية، وعلى الاحترام لا الاستقواء.
الأردن ليس دولة صغيرة، بل دولة عريقة تحتاج فقط أن تؤمن بنفسها، وتنهض من جديد، قوية، شامخة، بصوت واحد: كفى تراجعًا، آن أوان الفعل.