ما بعد 7 أكتوبر: قراءة عقلانية في الخطأ الاستراتيجي لحماس
كابتن اسامة شقمان
14-04-2025 12:21 PM
أكتب هذا التحليل وأنا مدرك تمامًا أن ما سأطرحه قد لا يُعجب الكثيرين، خاصة في ظل حالة الغضب والتعاطف الشعبي مع ما يعانيه الفلسطينيون في قطاع غزة. لكن في لحظات الألم الكبرى، تبرز أهمية النقد الذاتي، وضرورة الاستماع إلى صوت العقل لا العاطفة، لأن الشعوب لا تنهض من تحت الركام إلا عندما تقرأ أخطاءها بوعي، وتتعلّم منها بصدق.
السابع من أكتوبر 2023 كان يومًا فارقًا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حين نفذت حركة حماس هجومًا مفاجئًا أربك إسرائيل وحقق اختراقًا غير مسبوق. لكن ما تلا هذا الهجوم كشف عن سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية القاتلة التي قادت قطاع غزة إلى كارثة إنسانية وجعلت الجميع يتساءل: هل كان ما حدث يستحق الثمن الذي يُدفع اليوم؟
أولاً: سوء تقدير ردة الفعل الإسرائيلية
اعتمدت حماس على عنصر المفاجأة في هجومها، لكنها فشلت في تقدير حجم الرد الإسرائيلي المحتمل. فجاء الرد عنيفًا ومدمرًا، وشمل استهداف المدنيين والمرافق الحيوية والبنية التحتية بشكل واسع.
من المعروف تاريخيًا أن إسرائيل تعتمد على عقيدة "الردع من خلال التفوق الكاسح"، ما يعني أن أي هجوم بهذا الحجم سيُقابل برد عسكري شامل – وهو ما كان يجب أن تدركه القيادة العسكرية والسياسية لحماس.
ثانيًا: الاعتماد المبالغ فيه على أطراف إقليمية
يبدو أن حماس كانت تراهن على دعم حزب الله أو جبهة مقاومة إقليمية واسعة، إلا أن هذا الافتراض لم يتحقق. فقد اقتصر تدخل حزب الله على اشتباكات محدودة في الجنوب اللبناني، ولم تنخرط إيران أو أي جهة أخرى في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
الخطأ هنا ليس فقط في سوء التقدير، بل في بناء قرار الحرب على أساس افتراضات غير مضمونة، ما جعل حماس وحيدة في مواجهة أعتى آلة عسكرية في المنطقة.
ثالثًا: تجاهل ميزان القوى والظروف الدولية
على الرغم من أن الهجوم جاء في توقيت تشهد فيه إسرائيل انقسامات داخلية، إلا أن حماس أغفلت قراءة البيئة الدولية التي ما تزال تميل إلى دعم إسرائيل، خاصة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. الدعم السياسي والعسكري الغربي ساعد في تعزيز الرد الإسرائيلي، وعزّز حصار غزة بدلًا من كسره.
رابعًا: الثمن الإنساني والسياسي في غزة
النتيجة المباشرة للهجوم كانت كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث قُتل الآلاف من المدنيين، وتعرضت البنية التحتية للدمار، ونُزح مئات الآلاف. وهنا يُطرح السؤال المؤلم: هل يستحق كل هذا الثمن ما أقدمت عليه حماس؟ هل تم تقييم التكاليف السياسية والإنسانية بشكل جاد قبل اتخاذ قرار الحرب؟
خامسًا: الحاجة إلى مراجعة شجاعة للمسار
إن أخطر ما يمكن أن تقع فيه أي حركة مقاومة هو الاعتقاد بأنها فوق النقد.
الوقوف مع الشعب الفلسطيني لا يعني السكوت عن الأخطاء التي تؤدي إلى مآسٍ جماعية. إن النقد الذاتي ضرورة وطنية وأخلاقية، لا خيانة لقضية، بل تعبير عن السعي لتحسين الأداء وتفادي الكوارث.
نحن بحاجة اليوم إلى مراجعة شجاعة: هل كانت العملية مدروسة؟ هل وُضعت استراتيجية لليوم التالي؟ هل حُسبت الكلفة على المدى البعيد؟ وإن لم يكن ذلك، فكيف يمكن الاستمرار في الطريق ذاته دون تعديل أو تصحيح؟
المقاومة لا تُقاس فقط بالشجاعة، بل بالحكمة. وإن كانت الشعوب المقهورة تمتلك الحق في الدفاع عن نفسها، فإن هذا الحق يجب أن يُمارَس ضمن رؤية استراتيجية تنظر للواقع كما هو، لا كما نتمناه.
دعوة للعقل قبل العاطفة: دماء الفلسطينيين أمانة لا تُستنزف
في لحظات المحن الكبرى، يكون الرجوع إلى العقل ضرورة لا ترفًا. فدم الفلسطيني ليس وقودًا يُستهلك في حسابات خاطئة، بل هو جوهر القضية وروحها التي يجب أن نصونها بكل ما أوتينا من وعي ومسؤولية.
ما حدث في السابع من أكتوبر ليس مجرد محطة عابرة، بل لحظة فاصلة تستدعي منا إعادة التقييم العميق لما جرى، لا من باب جلد الذات، بل من باب الحرص على مستقبل شعبٍ أنهكته التضحيات، وتاريخه الحديث مملوء بمحطات دفعت فيها الجماهير ثمنًا باهظًا لأخطاء لم تُراجع كما ينبغي.
لا يمكن لمن يحمل همّ التحرر الحقيقي أن يغفل عن الكلفة الهائلة التي يدفعها المدنيون، ولا عن الحاجة الماسة لبناء استراتيجيات تستند إلى الواقعية والحكمة، لا إلى ردود أفعال لحظية. فالبطولة ليست في من يكرر ما جُرّب وأثبت فشله، بل في من يتعلم ويُصوّب ويصنع طريقًا جديدًا نحو الكرامة والحرية.
إن التاريخ لا يرحم من أدار ظهره للدروس القاسية، بل يُنصف من واجه الحقيقة بشجاعة، واعترف بالأخطاء، وجعل من الدم المسفوك دافعًا لبناء مشروع وطني راسخ، لا محطة لصراعات لا تراعي موازين القوى ولا تأخذ بعين الاعتبار مآلات الأمور.