أسرى الظهور والإعجاب .. حين يتحوّل الإنسان إلى محتوى
حازم السردي
21-04-2025 10:13 PM
في زمن الشبكات المفتوحة، باتت الحياة تُختزل في منشور، وتُقاس بكمّ التفاعل، ويُعرَّف العمق بعدد الإعجابات والتعليقات.
لم نعد نعيش لنتنفس، بل لنُرَى. لم نعد نشعر بقيمتنا من داخلنا، بل كما يرانا الآخرون على الشاشات.
صرنا أسرى للظهور، مقيدين بسلاسل الإعجاب، نركض خلف الكاميرا لا خلف المعنى، نهوى تسليط الضوء لا عمق التجربة. كل تفصيل بات جديرًا بالتوثيق: ماذا أكلنا، أين ذهبنا، كيف لبسنا، وماذا قلنا… وكأن الغياب صار جريمة، وكأن الصمت نقص في الحضور.
ألا تعلمون أن كثرة البوح تُفقد المعنى؟ وأن الاستعراض لا يملأ فراغ القلب، ولا يُشبع جوع الانتباه؟
لقد تحوّل حضور البعض إلى ضجيج لا يحمل رسالة، وباتوا يلاحقون اللحظة قبل أن تعيشهم، يسابقون الزمن لنشر كل شاردة وواردة. لكن من أراد أن يترك أثرًا، لم يكن بحاجة لهذا الصخب. فبعضهم خلّد نفسه بسطر واحد في كتاب الحياة… ثم اختفى.
المفارقة المؤلمة أن من خلف الشاشات لا يتحكّمون بالعالم كما يظنون، بل العكس هو الصحيح: العالم الرقمي أصبح من يتحكم بهم، يقودهم، ويعيد تشكيلهم وفق ما يرضي "الخوارزميات"، لا ما يعبّر عن ذواتهم.
نحن لا نقول إن الظهور خطأ، ولكن حين يصبح الظهور غاية، ويتحوّل الإنسان إلى مشروع محتوى دائم… فإن هناك ما يُفقد في الطريق: الذات، العُمق، وربما حتى المعنى.
ارحمونا… وامنحوا أنفسكم لحظة غياب.
فرُبّ صمتٍ أبلغ من ألف منشور، ورب خصوصية تُضفي عليكم هيبة لم يمنحكم إياها الظهور المستمر.
فكروا بالأثر… لا بالانتشار.
كونوا حقيقيين… لا افتراضيين.
فليس كل من يظهر حاضرًا، وليس كل من يغيب غائبًا.