* مباحث كوجهيل وفندق أبو رسول

تاريخياً تعتبر دائرة المباحث نواة المخابرات العامّة الأردنية. كان مرجعها الأعلى الجنرال جون باجيت كلوب قائد الجيش والأمن العام. ويديرها العقيد باتريك كوجهيل. حينما بايع الأردنيون الملك الشاب الحسين الأول لتسلم عرش المملكة. كانوا على عجلة لاستكمال دستورية المملكة فحسبوا عمره بالسنوات الهجرية. عانى الحسين من طخطخة ومؤامرات الثورجيين العرب الذين اتهموا الممالك والمشيخات العربية بالرجعية والعمالة للاستعمار. ونادوا بالوحدة والحرية والاشتراكية... تلقفهم الاتحاد السوفييتي في حربه الباردة مع أمريكا وأوروبا الغربية.

أنشأ الحسين دائرة مخابرات صغيرة من ضباط الجيش العربي الأردني. الشباب اللذين عانوا من مرارة تقطير الأسلحة على جيشهم من بريطانيا في حرب 1948. أشيع أن الباشا أبو حنيك المقيم في جبل عمان. يسمع دبيب النملة على صخور وادي رم. وكروم الزيتون في طول كرم وترمسعيّا. أمضى الملك الشاب سنوات مع ضباطه يخططون لإنهاء خدمات الضباط البريطانيين في الجيش العربي. لم يعرف كوجهيل ولا أبو حنيك ولا الحكومة ولا حتى رئيس الديوان الملكي الهاشمي بعملية التعريب إلاَ بعد أن طلب الحسين من مجلس الوزراء اتخاذ القرار في جلسة طارئة. وكانت الاحتياطات الأمنية على مستوى متقدم..

غاب عن بال كلوب باشا وباتريك كوجهيل توزيع سيارات المدفعيّة في مطار ماركا لشل حركة الطائرات البريطانية. لغم جسور القطرانة لتعطيل حركة الجيش البريطاني من معسكره في معان. تجهيز القيادات البديلة من الضباط الاردنيين للوحدات العسكرية التي تحفظت الحركة على قادتها الإنجليز في منازلهم.

عرف الأردن بحركة التعريب من صوت ملكهم الشاب في الإذاعة بعد وصول أبو حنيك الى قبرص.. قررت أمريكا مساعدة سنوية لدائرة المخابرات الصغيرة لمقاومة الشيوعيّة والحفاظ على استقرار المملكة.. فيما بعد قرعت الطبول في الاعلام العربي بعد أن كتب الصحفي الأمريكي بوب وودوارد أن الحسين على قائمة دفع الإعانات السنويّة من المخابرات الامريكيّة. وكانت هذه الاعانة توجه في الأصل الى دائرة المخابرات العامة الأردنية لتسهيل عملها خلال الحرب الباردة...

تأسست دائرة المخابرات الأردنية العامة عام 1964 بقانون يسيّر عملها... ولأنها كانت مهتمة بمكافحة الشيوعية وحزب البعث في اوج الحرب الباردة. فقد اطلق عليها بعض الحزبيين فندق أبو رسول نسبة لرئيسها الفريق الراحل محمد رسول الكيلاني. شاع الاسم في الوطن العربي حينما أجرت مجلة العربي الكويتية تحقيقا صحفيا عن الأردن ووصفت الدائرة كما سماها بعض الحزبيين... ما بين مباحث كوجهيل وفندق أبو رسول انشيء مكتب التحقيقات السياسية الذي ضم الجنود الأوائل من فرسان الحق... مضر بدران . هاني طباره . اديب طهبوب . أحمد عبيدات . طارق علاء الدين . برئاسة محمد رسول الكيلاني ... كان قد تشكل في بعض وحدات الجيش تنظيم الضباط الاحرار على شاكلة مجموعة جمال عبد الناصر التي أطاحت بالملك فاروق.. كانت الخشية من العبث بأمن الوطن الذي يحمي عسكره 365 كيلو متر من خط الهدنة مع إسرائيل.. لاحق المكتب كل معلومة وإشاعة تقود الى مشروع مؤامرة.. خاصة على حياة الملك.. فوجئ المكتب بمخبر يدعي خطة لمحاولة اغتيال الملك بقنبلة يدوية.. استمر التحقيق مع الرجل بعد إفطار رمضان حتى آذان الفجر ولم ينتهي الا عصر اليوم التالي.. كان مضر بدران يتشكك بصاحب الخبر لورود اسم استاذه في المدرسة فؤاد الحمارنة الذي يعرفه جيدا.. بعد الضغط على صاحب الخبر اعترف أن القنبلة التي تحدث عنها كان يستخدمها كثقل في كفة الميزان كوزن لا أكثر... وانه اعترف فقط ليأخذ بعض المال كمكافأة.. فيما بعد درس فرسان الحق تقارير يكتبها مخبر صادق من شاكلة صاحب البمبه الوزن... اختاروا منها 70 الف ملف للاتلاف ودعوا الرئيس الشهيد وصفي التل لحرقها في ساحة الدائرة..

بدأت الحرب الباردة مع نهاية الحرب العالمية الثانية بلا مدافع ولا صواريخ.. تعتمد على استلال الأسرار من الجانبين. أنشأت الإذاعات العابرة للأجواء للدعاية والتحريض ونشر الأخبار والترويج لعقائدها. تغذت على يد مطابخ متخصصة في صناعة الدعاية والاخبار. معتمدة على ما يردها من معلومات عن الجانب الآخر... ولا بأس أن نفكّه القارئ ببعض ذلك الإنتاج في ذلك الزمن:

تسلل أحد الكلاب السوفيتية الى مطار موسكو وتشعبط على طائرة متجهة الى الولايات المتحدة. نزلت الطائرة في نيويورك وخرج الكلب سالما يتجول في شوارع المدينة... التقى كلبا أمريكيا في الشارع تعارفا وسأل الروسي زميله الأمريكي عن أقرب مطعم... دهش الأمريكي للسؤال وأجاب لا يوجد مطاعم للكلاب هنا.. تستطيع أن تفتش معي في حاويات النفايات لعلنا نجد زبالة طعام نأكلها.. تقاسم بقايا ساندوش هامبرجر مرمية في الزبالة وعاد الروسي يسأل الأمريكي عن فندق يرتاح فيه.. اجابه الأمريكي بسخرية ان افضل مكان للنوم تحت ظل سيارة متوقفة في الشارع.. ازدادت دهشة الأمريكي وسأل الروسي.. هل يوجد في موسكو مطاعم وفنادق للكلاب؟.. أجاب الروسي نعم وبرك سباحة ومنتزهات ومستشفيات وكلها مجانية بفضل الشيوعية.. جحظ الأمريكي ساخرا.. طالما كنت تحظى بكل هذه الخدمات والرفاهية. لماذا جئت الى نيويورك؟؟ قال الروسي.. جئت لأنبح بعالي صوتي.. في موسكو كل شيئ متوفر للكلاب ولكنها لا تفتح فمها الا للتثاؤب.