facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الخطاب الإعلامي بين التشتت والضبط


عقيد متقاعد محمد الخطيب
04-05-2025 01:13 PM

* قراءة في دعوة رئيس مجلس الأعيان لاستراتيجية إعلامية للدولة

إن دعوة رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز إلى وضع استراتيجية إعلامية وطنية شاملة، خلال زيارته إلى نقابة الصحفيين الأردنيين، لا يجب أن تبقى في حدود التصريحات الرمزية، بل هي نداء سياسي عاقل ورصين يستوجب أن يتحوّل إلى خطة عمل تنفيذية واقعية تُبنى على أسس الشراكة المؤسسية، وتُنفّذ بمهنية عالية، وتُقيّم بمنهجية شفافة.

وفي هذا الإطار، فإن دور نقابة الصحفيين الأردنيين محوري وأساسي، باعتبارها المظلة المهنية التي تجمع الإعلاميين وتدافع عن حرية الصحافة وكرامة المهنة، وهي الأقدر على قيادة حوار مهني مسؤول، يوازن بين حماية الخطاب الوطني، وضمان استقلالية الإعلام وحرية التعبير.

كما بات من الضروري أن تمتلك الدولة الأردنية استراتيجية إعلامية وطنية شاملة، قادرة على توحيد الخطاب الإعلامي تجاه مختلف القضايا الوطنية والمصالح العليا، وتعكس مواقف الأردن القومية المشرفة والمبنية على ثوابت راسخة.

والأردن، في ظل ما يواجهه من تحديات إقليمية ومعلوماتية، يستحق أن يمتلك إعلامًا وطنيًا رقميًا حديثًا، يليق بثقله السياسي والتاريخي، وينقل صوته إلى الداخل والخارج بصدق، ووعي، ومسؤولية.

هذا ما أكده رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، حين دعا بوضوح إلى ضرورة صياغة استراتيجية إعلامية تقودها الدولة بكل مؤسساتها، وعلى رأسها الحكومة، إلى جانب الإعلام الرسمي والأجهزة السيادية، ومؤسسات المجتمع المدني، والإعلام الخاص، فالمقصود هنا ليس مجرد استراتيجية حكومية تعنى بشرح السياسات والإجراءات، بل استراتيجية عليا تعكس هوية الدولة وتطلعاتها وتدافع عن صورتها ومكانتها إقليميًا ودوليًا.

إن الاستراتيجية الإعلامية للدولة الأردنية يجب أن تكون إطارًا وطنيًا تنسيقيًا واسع النطاق، يشمل الإعلام الرسمي والتقليدي، كما يشمل الإعلام الرقمي والخاص والمجتمعي، ويقوم على شراكة واعية ومسؤولة بين كافة الفاعلين في الحقل الإعلامي، هدفها ليس السيطرة على الإعلام أو الحد من حريته، وإنما توجيهه نحو خطاب وطني جامع ومتزن، يعزز الثقة بالدولة، ويحمي وحدة المجتمع، ويواجه حملات التشويه والإشاعة التي تستهدف الأمن الوطني والنسيج الاجتماعي.

وضمن هذه الرؤية، لا بد من التفرقة الدقيقة بين الاستراتيجية الإعلامية للدولة، وبين الاستراتيجية الإعلامية الرقمية التي تشكل أحد مكوناتها التنفيذية والتكتيكية. فمع الانفجار الرقمي وانتشار أكثر من 400 موقع إلكتروني وعشرات آلاف الحسابات على منصات التواصل، وعشرات المحطات الاذاعية والفضائية، لم يعد ممكنًا تصور استراتيجية وطنية دون ذراع رقمية فاعلة ومهنية. لذا، من الضروري بل ومن الحيوي أن تتضمن الاستراتيجية الوطنية الكبرى خطة رقمية متخصصة تحمل رؤية واضحة: بناء إعلام وطني رقمي مهني وموثوق، يعزز الانتماء، ويواجه التضليل، ويحترم حرية التعبير وتعددية الآراء.

وتحقيق هذه الرؤية الرقمية يتطلب تحركًا على عدة محاور متكاملة. أولًا، محور التنظيم والتشريع، ويشمل تحديث قانون المطبوعات والنشر ليشمل الإعلام الرقمي المعاصر، مع ضمان ألا تتحول الرقابة إلى قيد على حرية التعبير، بل إلى أداة لتنظيم المساحات العامة ومنع الفوضى الإعلامية. ويتطلب ذلك أيضًا إلزام المواقع التي تمارس نشاطًا إعلاميًا واضحًا بالتسجيل والترخيص، مع فرض الشفافية في ملكية الصفحات ذات التأثير العام، دون المساس بحرية المدونات أو الأفراد.

ثانيًا، محور التمكين المهني، الذي يركّز على إعداد الكوادر الإعلامية الشابة وتأهيلها عبر برامج تدريبية متخصصة في الصحافة الرقمية والتحقق من المعلومات، وبناء خطاب إعلامي وطني رصين. كما يمكن إنشاء وحدة وطنية مستقلة لمكافحة الإشاعة والتحقق من الأخبار، بالتعاون مع منصات متخصصة بما يعزز ثقة الجمهور بالمصادر الوطنية.

ثالثًا، هناك ضرورة لتطوير الإعلام الرسمي والرقمي في آن واحد، من خلال إنتاج محتوى جذاب وتفاعلي موجه للشباب على المنصات الرائجة مثل TikTok وInstagram YouTube، وتوظيف الناطقين الإعلاميين بأسلوب احترافي ومرن يعكس روح العصر، مع إطلاق مشروع وطني مثل قناة "صوت الأردن الرقمي" تكون مرجعًا سريعًا للحقائق، وواجهة موثوقة للرد على الشائعات.

رابعًا، يجب بناء شراكة استراتيجية مع الإعلام المحلي من خلال تأسيس تحالف طوعي يضم المواقع المهنية الملتزمة بخدمة الخطاب الوطني، وتوفير دعم مالي وفني وإعلاني لها مقابل التزامها بالمعايير المهنية والوطنية. وهذا من شأنه أن يرفع من جودة الإعلام الوطني ويقلل من الاعتماد على مصادر غير موثوقة.

خامسًا، تأتي المشاركة المجتمعية والتوعية كمحور أساسي، حيث يتم إطلاق حملات وطنية توعوية لنشر التربية الاعلامية، خاصة في صفوف الطلبة والشباب، ودمجها في المناهج الدراسية، إلى جانب دعم المبادرات الشبابية والمجتمعية في إنتاج محتوى توعوي وهادف.

وأخيرًا، لا تكتمل أي استراتيجية دون وجود آلية للقياس والتقييم، ولذلك من المهم وضع مؤشرات أداء واضحة لقياس مدى تأثير الإعلام الرقمي الوطني، مثل مستوى التفاعل والثقة وجودة التصحيح السريع للمعلومات، مع إعداد تقارير دورية تساعد على تعديل الاستراتيجية وتطويرها حسب المستجدات.

هذه الاستراتيجية الإعلامية الرقمية ضمن الإطار الوطني ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية في زمن المعلومات المفتوحة والمعارك الرقمية. وهي قادرة، إن نُفّذت بعقلانية وتشاركية، على تعزيز الوحدة الوطنية، وتحقيق التوازن بين حرية الإعلام ومتطلبات الأمن القومي، ومواجهة الخطابات السلبية التي تستهدف صورة الأردن ومكانته.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :