نادي الحسين .. مشروع الأمل والتجدد
د. جاسر خلف محاسنه
06-05-2025 09:56 PM
إربد لا تُعلن انتماءها. هي تنتمي بصمت. تحفظ مَن خدمها، وتُحب من صبر عليها. وفي قلبها، ظل نادي الحسين حيًا مثل جذرٍ في أرضٍ لم تغادرها الشمس.
لم يولد النادي من فراغ، بل من همّ المدينة، من صدور رجالٍ بسطاء يعملون في النهار ويؤمنون في لياليهم أن إربد تستحق أكثر. التقوا على حلمٍ صادق، لا يُدوَّن في الصحف ولا يُصرف له راتب، بل يُزرع في القلب مثل حبة قمح، ويُسقى بالولاء.
سمّوه الحسين، لا تملّقًا، بل وفاءً. ومنذ اللحظة الأولى، صار أكثر من نادٍ. كان رمزية، كان شارة عز، وكان يُلقّب بـ"غزاة الشمال"، لأنهم، ببساطة، لم يعرفوا التراجع. الجماهير لم تنتظر النجاح لتأتي، بل كانت حاضرة من البداية، تملأ المدرجات كما تملأ الأم قلبها حين يضحك ابنها.
لكن الزمن لم يكن رؤوفًا. تناقصت الأسماء، وتآكلت الجماهيرية كما تتآكل الجدران القديمة في البيوت التي لم يعد يسكنها أحد. بقي القليل، أوفياء مثل صمت الجبال، يأتون كل أسبوع ولا يسألون لماذا تأخر الفرح. وظل النادي حيًا، لا لأنه كان يفوز، بل لأنه كان لا يموت.
اليوم، عاد الحسين. لا بصيغة الماضي، بل بروحٍ جديدة تُشبه ما حلمت به المدينة يوم بدأت الفكرة. عاد بجمهوره، بصورته، بصموده. لم يكن النهوض صدفة، بل نتيجة لإيمان جديد استند إلى ذاكرة المدينة، إلى عرق السنوات الطويلة، إلى ذاك الألم النبيل الذي عاشه جمهور بقي حين غادر الجميع.
ذات مساء، كنت وصديقي المهندس بشار (أبو حمد) وعدد من الأصدقاء، نتناقش حول الخوف من أن يخسر النادي الدوري. قلت له: "لا أصدق أن هذا النادي سيخسر بعد هذا الجهد، لأن في خسارته ما قد يُفقدنا الإيمان بالمشروع." ابتسم وسألني: "ولماذا تعتبره مشروع وطن؟" أجبته دون تردد: "لأننا، حين نرى ناديًا يُبنى على الوفاء، ويُدار بالإيمان، ويعود من الهامش إلى الضوء، نشعر أن هنالك أملًا. لأن ما فعله النادي، بما فيه من تخطيط وصبر وتراكم، هو ما نحتاجه في التعليم، في البلديات، في الزراعة، في الثقافة.
لأننا نحتاج إلى انتصار حقيقي على مستوى الشعور العام، لا الأرقام وحدها. لأن كل ما نريده، هو أن نصدّق أن في الأردن مشاريع يمكن أن تنجح... إذا أُعطيت فرصة."
نادي الحسين هو هذا الدرس. هو هذا الصدى الجميل الذي يقول إنّ الوطن ليس فكرة معلّقة في الهواء، بل فعلٌ يوميّ، وصبر طويل، وعرقٌ لا يُرى في الكواليس. هو التجسيد الحقيقي لرؤية الشباب، ورغبة في بناء المستقبل. وكم نحن بحاجة اليوم لهذه المشاريع التي تُسهم في كتابة قصة جديدة لنا، كما هي رؤية سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي يرسم الأفق لمستقبل مشرق بأيدٍ شبابية تسعى دومًا للأفضل. كل فكرة جديدة، هي فرصة لتنمية هذا الوطن، لأن المشاريع التي تُولد من الأرض، وتُسقى بعرق الناس، وتُحمى بالإرادة... لا تموت.