في كل مرة يُشعل فتيل الحرب في غزة، تتكرر المشاهد ذاتها: دمار واسع، شهداء بالعشرات، أطفال تحت الأنقاض، وأصوات استغاثة تملأ الفضاء، دون أن تلقى صدىً فعلياً في عواصم القرار العالمي. ومع الحرب الأخيرة التي بدأت في أواخر عام 2024، بات من الواضح أن القضية الفلسطينية، وتحديدًا معاناة غزة، لم تعد فقط قضية احتلال ونزاع، بل أصبحت أيضًا قضية أخلاقية عالمية.

غزة... حيث الصمود أسلوب حياة
رغم الحصار المستمر منذ أكثر من 17 عامًا، ورغم توالي الحروب، لا تزال غزة تبعث برسائل إنسانية تُذهل العالم. شعبٌ أعزل، يعيش في أقسى ظروف الحصار والعدوان، يُصر على الحياة، التعليم، المقاومة، وعلى أن يكون له مستقبل. مشاهد الأطفال في المدارس بين الأنقاض، والأمهات في المستشفيات الميدانية، والطواقم الطبية العاملة ليلاً نهاراً رغم شح الإمكانيات، ترسم لوحة نادرة من البطولة والصبر.

المجتمع الدولي... بيانات دون أفعال
أمام هذا المشهد، يقف المجتمع الدولي عاجزًا، مكتفيًا ببيانات الشجب والقلق. تتكرر عبارات "ندعو إلى التهدئة" و"نحث على ضبط النفس"، بينما الطائرات تواصل القصف، والبيوت تُهدم فوق ساكنيها. هذا التناقض الصارخ بين المبادئ المعلنة والمواقف الفعلية، يضع النظام الدولي في مأزق أخلاقي، ويطرح تساؤلات حول العدالة والإنصاف في عالم تحكمه المصالح.

الإعلام والرأي العام العالمي... وعي يتشكل
ومع تصاعد القصف، تتصاعد أيضًا المعركة الإعلامية. باتت وسائل التواصل الاجتماعي نافذة أساسية لكشف الحقيقة. الصور القادمة من غزة تقلب موازين الرأي العام، وتضع الحكومات تحت ضغط شعبي متزايد. لم تعد الصورة تُصنع في غرف الأخبار الكبرى فقط، بل أصبحت تُصاغ بأيدي المواطنين أنفسهم، الذين يروون للعالم ما لا تُظهره نشرات الأخبار.

أجيال تحت النار
ما لا يظهر في الإحصاءات هو الأثر العميق في نفوس أجيالٍ وُلدت وعاشت تحت الحرب. أطفال غزة، الذين لم يعرفوا يومًا طبيعيًا بلا طائرات ولا صفارات إنذار، يعيشون صدمة مستمرة. هذه الأبعاد النفسية تحتاج سنوات من الرعاية، إن توفرت، وهي معركة طويلة لا تقل قسوة عن الحرب نفسها.

خاتمة: غزة مرآة للعالم
الحرب على غزة ليست شأنًا فلسطينيًا محليًا فقط. إنها مرآة تكشف ملامح النظام العالمي، وتفضح مدى هشاشته أمام الكوارث الإنسانية. من غزة، يُكتب فصل جديد في تاريخ النضال الإنساني، ويُسجّل شعبها، مرة تلو الأخرى، صموده في وجه أحد أعنف آلات الحرب المعاصرة.