اسرائيل .. ساعة الزوال تدق ببطء لكنها لا تتوقف
م. بسام ابو النصر
14-05-2025 04:51 PM
عمون - حين أعلن دافيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل عام 1948، كانت عيناه على التاريخ القديم ليضفي الشرعية على كيان زرع بقوة السلاح والدعم الغربي. لكنه تجاهل أن هذا التاريخ لا يدعم مشروعه إلا على الورق. المملكتان القديمتان، مملكة داوود وسليمان، استمرتا بالكاد 80 عامًا موحدة قبل الانقسام، ثم 200 سنة لمملكة إسرائيل الشمالية و136 سنة لمملكة يهوذا الجنوبية، قبل أن تسقطا أمام قوى أكبر، وليظل اليهود بعدها أتباعًا لا حكامًا في فلسطين.
على مدى القرون، لم ينجح اليهود في إعادة بناء دولة في هذه الأرض، لا لأنهم لم يحاولوا، بل لأن السياق الجيوسياسي رفض ذلك. سكان المنطقة، العرب أساسًا، رأوا في مشروعهم تهديدًا، خاصة مع النزعة العنصرية والانفصالية التي مارسوها، من طرد السكان الأصليين إلى بناء مجتمع مغلق. الكراهية ليست مجرد مشاعر هنا، بل نتيجة سياسات متراكمة. من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا، ومن اجتياح بيروت إلى قصف غزة، ظلت إسرائيل تصنع لنفسها أعداء أكثر من الأصدقاء، حتى عندما مدت يدها رسميًا للسلام
اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأخيرًا اتفاقيات أبراهام (التطبيع) مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، لم تخلق سلامًا حقيقيًا. الشارع العربي ظل يرى في إسرائيل كيانًا استعماريًا، مصطنعًا، يستمد بقاءه من الدعم الغربي لا من شرعية داخلية. وهنا يكمن التهديد الاستراتيجي الأكبر
إذا نظرنا إلى المعطيات الحالية
عدد الفلسطينيين في الضفة وغزة (5 ملايين تقريبًا) + فلسطينيي الداخل (2 مليون تقريبًا) في مقابل حوالي 7 ملايين يهودي داخل إسرائيل. لكن معدلات الولادة بين الفلسطينيين أعلى بكثير (3.5-4.2 طفل لكل امرأة مقابل 2.9 عند اليهود).
إسرائيل تعتمد عسكريًا على الولايات المتحدة التي بدأت قوتها تتراجع عالميًا، بينما صعدت قوى مثل الصين وروسيا وقوى اقليمية مثل تركيا وإيران، كلها معادية أو منافسة.
داخليًا، الانقسامات تتعمق: بين علمانيين ومتدينين، بين الأشكناز والسفارديم، بين اليهود الشرقيين والغربيين، وبين اليهود والعرب
هذه التركيبة تجعل من المتوقع أنه بحلول عام 2050، سيتغير ميزان القوى الديموغرافي، وسيفقد المشروع الصهيوني أحد أهم مرتكزاته: التفوق التقني والعددي.
أما الجغرافيا، فهي نقطة ضعف واضحة، حيث أن الكيان الصهيوني محاط بحزام عربي واسع، لا يستطيع التوسع أكثر، ولا يستطيع الانكفاء للداخل دون حدوث التناقضات من الداخل في المكونات العقائدية والقومية والسياسية.
إذًا متى يكون زوال إسرائيل ممكنًا؟ لا توجد ساعة محددة، لكن السيناريو الأقرب ليس حربًا شاملة (رغم أنها احتمال دائم)، بل انهيار بطيء شبيه بنهاية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا: عزلة دولية، وهذا ما بدأ يتحقق في الواقع الصهيوني بضراوة ، حركة مقاومة داخلية، وقد شهدنا وجود منظمات تشكلت إثر ما تمخض عنه طوفان الأقصى ، تكونت من اهالي المحتجزين لدى حماس في حرب غزة وبدأت تكبر ككرة الثلج. انقسامات مجتمعية، حول ما إذا كان الاستمرار في الحرب مفيدا لدولتهم ، تراجع اقتصادي، بسبب نقل الموظفين الى ساحات الحرب ، وامتناع المستثمرين عن البقاء داخل هذه الدولة التي صارت كتلة لهب غير امنة . اللحظة الفاصلة ستكون عندما يتراجع الدعم الأمريكي والأوروبي، وهو ما بدأ يظهر بالفعل في أوساط الرأي العام الغربي الذي يزداد تعاطفًا مع الفلسطينيين وينتقد السياسات الإسرائيلية.
بمعنى آخر، الزوال ليس مجرد شعار أيديولوجي، بل مسار تحليلي قائم على تراكمات داخلية وخارجية. إسرائيل اليوم تقف على أرض رخوة، وساعة النهاية قد تكون أقرب مما يتخيل قادتها.