facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حين تتحوّل الأحزاب إلى عبء على الفكرة


د. جاسر خلف محاسنه
15-05-2025 02:12 PM

في مكانٍ ما من هذا الوطن، وداخل حلبةٍ مغطاةٍ بالغبار، ما تزال الجياد تركض.

لا جمهور في المدرجات، ولا مكافأة في نهاية المضمار، لكن الصفارة لا تتوقف.

الركض مستمر. والعرق يسيل. والهواء مشبع بوهم البدايات.

تلك الجياد، بأسمائها الثقيلة وشعاراتها المتآكلة، أُنهِكت. جُرحت حوافرها من كثرة الدوران حول لا شيء. تغيّرت ألوانها، ترهّلت عضلاتها، وتكسّرت أعناقها في كل سباقٍ لم يُجرَ أصلًا. ومع ذلك، يُطلب منها أن تستمر. فقط لأنها "رمز"، أو لأن في وجودها استمرارية لأمر لا يريد أحد أن يواجه حقيقة فشله.

عشرات الأحزاب.. أسماء لا تنتهي.

كلها تتحدث عن الإصلاح، والمواطنة، والنهوض، والهوية الجامعة. ورغم أن بعضها يحمل أفكارًا إيجابية قد تكون مفيدة، إلا أنها لم تنجح في إقناع الجمهور. ربما حاولت بعض هذه الأحزاب تقديم حلول حقيقية للتحديات التي يواجهها المجتمع، لكن لم تجد من يصفق لها أو يؤمن بما تقدمه. في ظل المنافسة الشديدة، والوعود الكثيرة التي باتت مكررة، غابت تلك المبادرات الإيجابية في زحمة الخطابات المتشابهة، واختفت دون أن يلتفت إليها أحد. وفي النهاية، لم يكن ما تقدمه هذه الأحزاب سوى تكرار لما قيل مرارًا، دون أن يتمكن من جذب انتباه الناس أو تحقيق تغيير ملموس في حياتهم.

ثم هناك "الجياد المؤدلجة"، تلك التي توقفت عن الركض منذ وقت طويل.

لم تعد هذه الأحزاب تحاكي الواقع أو تطمح للتغيير، بل أصبحت مجرد بقايا لخطابات قديمة لا تتناغم مع حاجات المجتمع. تقتات على الشعارات، وتظل تكرر نفسها في دوامة من المفاهيم الجاهزة التي لا تلمس هموم الناس. في مكان ما بين الثبات ورفض التغيير، راحت تلك الأحزاب تلتصق بالزمن، مشدودة إلى أيديولوجيات لم تعد ذات صلة. قوتها مستمدة من سذاجة الجمهور، الذي لا يزال يصدق أن الكلمات المجردة يمكن أن تحل الأزمات، في حين أن الواقع لا يعرف إلا الأفعال. لكنها، رغم كل شيء، تظل قائمة، لا لأنها تسير نحو هدف، بل لأنها قد اكتسبت مكانتها من العادات لا من الفعل الحقيقي.

ورغم أن الصورة قد تصبح أكثر قتامة مع "الدمج" - وهو الإجراء الذي وُجد ليخفف الضغط - إلا أن النتائج أظهرت بوضوح أنه لا يمكن تجميع قطع من أحزاب مفككة وتوقع أن ينتج عن ذلك كيان قوي. يظل الفشل قائمًا، وتظل الدائرة تدور حول نفسها. حتى أن فكرة الدمج نفسها أصبحت مجرد تسوية، محاولة لزيادة الكم دون أن يؤثر في النوع. كل هذا لا يعدو كونه تخديرًا مؤقتًا للصورة العامة، دون معالجة الأسباب العميقة.

وإذا كان السؤال المتكرر هو: متى نتوقف؟ فإن الجواب يتطلب رؤية أبعد من لحظة التوقف نفسها. يجب أن نسأل أنفسنا: كيف نبدأ من جديد؟ كيف نواجه الحقيقة أن هذه الجياد، التي كانت تندفع في سباقٍ لا هدف له، تحتاج إلى فرصة للشفاء والتغيير؟.

ليس المطلوب أن تظل الدورة نفسها تتكرر، بل أن نخلق فرصة جديدة للأحزاب، تبدأ من أرض الواقع لا من الأيديولوجيات المجردة.

نحن بحاجة إلى أحزاب تُبنى من الأرض، من القرى والحواضر والمدن الصغيرة.

أحزاب تعرف الاقتصاد لا ترديد الشعارات، تقرأ الجغرافيا لا فقط النصوص، وتدخل المجتمع لا لتناور، بل لتفهم وتعمل وتخدم.

عندها فقط، يمكننا أن نترك الجياد تستعيد أنفاسها، لا لتموت، بل لتُبعث من جديد، وتبدأ الطريق كما ينبغي: بخطوة ثابتة، لا بركضٍ في الفراغ.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :