يأخذ الحديث عن الإصلاح الإداري في الأردن موقعاً متكرراً في الخطاب العام، وتُطلق المبادرات تباعاً تحت عناوين واعدة مثل التحديث، الحوكمة، تحسين الأداء. لكن رغم النوايا الطيبة والجهود المبذولة، يواجه التغيير الحقيقي في كثير من الأحيان مقاومة خفيّة، لا تعود فقط إلى ضعف الإمكانيات أو قصور التشريعات، بل إلى معادلة داخلية أعمق. الجدارة، في بعض السياقات، لا تُكافأ كما ينبغي، بل تُستقبل بتحفّظٍ أو ريبة.
فحين تُفسَّر المبادرة على أنها خروج عن المألوف، ويُقابَل الاجتهاد المتميز بالتشكيك أو الصمت، يختار كثيرون السلامة على الجرأة، ويتراجعون إلى منطقة «الاجتهاد المحدود» كخيار آمن. وهكذا تتكوّن طبقة قيادية على أساس الحذر لا التميّز، بينما تُحمَّل الكفاءات التنفيذية عبء العمل دون أفق واضح للترقّي.
في هذه المنظومة، تتولّى الأرقام دور التجميل. تقارير إنجاز محكمة الصياغة، وشهادات جودةٍ معلقة، لكن أثرها على الخدمة العامة يبقى محل تساؤل. فالإصلاح لا يمكن أن ينجح حين يُخشى من نتائجه، وحين يُنظر إلى الأداء العالي بوصفه تهديداً لا فرصة.
ومع تقلّص مساحات النقاش داخل المؤسسة، يُستعاض عن الحُجة بالتعليمات، وعن النقد البناء بالتأويل الحذر. أما مظاهر الانسجام الظاهري، فهي أحياناً نتيجة لتفاهمٍ غير مكتوب على تجنّب المواجهة، لا ثمرةً لعمل مؤسسي ناضج. النتيجة تصبح تحديثٌ في الشكل، وثباتٌ في جوهر الممارسة.
ومع ذلك، لا تخلو المؤسسات من ومضات مشجعة. موظفون يبادرون رغم القيود، قيادات تمارس الشفافية كخيار يومي، وأصوات تنادي بأن تكون الجدارة هي المعيار الأول في الترقّي وصناعة القرار. هؤلاء لا يحتاجون إلى مزيد من الورشات أو الشعارات، بل إلى حماية مؤسسية تمكّنهم من العمل، وتحوّل تميّزهم إلى قرار إداري مستدام.
جوهر الإصلاح الإداري لا يتوقف عند تعديل الأنظمة أو تحسين البنية الرقمية، بل يبدأ من الاعتراف بأن ممانعة التغيير غالباً ما تنبع من خلل في ثقافة العمل. حين تُخشى الجدارة ويُحتفى بالتحفّظ، تصبح المؤسسة مغلقة على ذاتها. وما لم يُعَالج هذا الخلل ضمن رؤية متوازنة تراعي العدالة وتُفعّل آليات المساءلة، سيبقى التحديث يدور حول ذاته، فيما تظلّ الجدارة تنتظر فرصةً عادلة للعبور إلى مركز الفعل الإداري.