في ذكرى الاستقلال هل تُمحى الوطنية من ذاكرة الأجيال؟
عبدالله محمد النسور
22-05-2025 04:21 PM
في الوقت الذي تحتفل فيه الأمم بهويتها وترسّخ مفاهيم الانتماء في وجدان أبنائها منذ الصغر، نشهد في بعض المؤسسات التعليمية داخل الأردن مظاهر مقلقة تُنذر بتراجع واضح في إعلاء الرموز الوطنية، وبتغييب مقصود أو غير واعٍ للهوية الأردنية في الفعاليات التربوية والمناسبات المدرسية.
ففي مناسبات من المفترض أن تكون مساحة لتعزيز الانتماء، مثل حفلات التخرّج أو الأيام المفتوحة، تغيب الرايات الأردنية، ويختفي السلام الملكي، وتحل محلها عناصر من ثقافات أجنبية لا تمتّ بصلة لتاريخ الأردن أو رموزه الوطنية. هذا التحول، الذي بات يتكرر في مدارس خاصة على وجه الخصوص، يثير تساؤلات جوهرية حول مدى التزام هذه المؤسسات بدورها التربوي والوطني.
الأمر لا يتوقف عند حدود الإهمال الرمزي، بل يمتد إلى مظاهر مقلقة، كأن تُمنع رموز وطنية صريحة – مثل الشماغ الأحمر – من الظهور في الفعاليات المدرسية، بذريعة توحيد اللباس أو اتباع نمط معين. هذه التعليمات، سواء كانت نتيجة ضعف وعي أو توجهات مقصودة، تُعد تجاوزًا غير مبرر وتمسّ بأساسيات الانتماء الوطني.
وفي سياق مشابه، تقوم بعض المدارس بتنظيم فعاليات “عالمية” في توقيت حساس، يتزامن مع ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 25 أيار. تجاهل هذه المناسبة الوطنية لصالح نشاط غير مرتبط بها، يبعث برسالة تربوية خاطئة، ويغرس أولويات مشوشة في أذهان الأطفال، الذين هم في مرحلة تكوّن الوعي والهوية.
ما يدعو للقلق أكثر هو غياب الرقابة الفعّالة من الجهات الرسمية، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، عن مضمون هذه الأنشطة التربوية. فالمسؤولية لا تقتصر على التعليم الأكاديمي، بل تشمل أيضًا حماية الذاكرة الوطنية وتغذية الانتماء لدى الطلبة منذ المراحل الأولى.
إن تراجع الحس الوطني لا يقتصر على القطاع التربوي فحسب، بل يتسرب إلى مؤسسات أخرى، حيث أصبح التعبير عن الانتماء أحيانًا سببًا للتضييق والإقصاء، فيما تُمنح المناصب العليا لأشخاص قد يفتقرون للحد الأدنى من الوعي الوطني، رغم ما يحملونه من شهادات مرموقة.
في ظل هذه التحديات، يتطلب الأمر وقفة جادة من الدولة والمجتمع، لإعادة الاعتبار للهوية الوطنية في المدارس، ولضمان أن يبقى الانتماء للأردن ومقدساته وقيادته ثابتًا لا يُمسّ. فالوطنية ليست ترفًا فكريًا، بل هي ركيزة الاستقرار، ولا يجوز أن تتحول إلى تهمة أو عبء.
إن مسؤولية غرس الانتماء لا تقع على الأسرة وحدها، بل هي واجب مشترك بين المدرسة، والوزارة، والإعلام، وكل مؤسسات الدولة. وإذا لم يُعالج هذا الخلل في جذوره، فإننا نُجازف بمستقبل أجيال قد تنشأ بلا ذاكرة وطنية واضحة، في وطن يستحق أن يُحب ويُصان.