facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجامعات الاردنية تصنع الهوية وتعزز الانتماء


د. جاسر خلف محاسنه
22-05-2025 10:32 PM

تشكّلت المملكة الأردنية الهاشمية كمشروع اجتماعي وثقافي وسياسي، وما زالت تتطور في ظل تحولات داخلية وخارجية مستمرة. الهوية الوطنية الأردنية لم تكن نتاج لحظة واحدة، بل صيغت عبر مسارات متشابكة من التاريخ الرسمي والتعليم، وتكرّست بفعل أدوات الدولة الحديثة كالنظام التربوي والقانون والإعلام.

منذ تأسيس الإمارة، عملت الدولة الأردنية على بلورة تصور وطني جامع يعيد تأليف مجتمع متنوع، يجمع فسيفساء إنسانية واسعة تمتد من رمال الصحراء إلى قمم الجبال، حتى غدت الهوية الأردنية إطارًا تتآلف فيه روافد المجتمع ضمن مشروع سياسي يتسم بالولاء والانتماء والمصير المشترك.

وكان للمؤسسات الوطنية دور محوري في ترسيخ هذا الإطار؛ فالمدرسة أسهمت في غرس القيم الوطنية، أما التعليم العالي فبرز كحاضنة حيوية تُنضج فيها المفاهيم الكبرى كالهوية والمواطنة، وتُبنى فيه علاقة الشباب بالدولة والمجتمع.

في فضاء الجامعة تتشكل البدايات الأولى للوعي السياسي، وتُعاد صياغة الانتماء على أسس مدنية عابرة للهويات الضيقة. ولهذا، تتحمل الجامعات اليوم مسؤولية مضاعفة، إذ لم تعد مجرد مؤسسات معرفية، بل باتت منصات لتأطير الوعي، وتحفيز النقد، وتشكيل أجيال تحمل المشروع الوطني بعقل منفتح وضمير حيّ.

ومن هذا المنطلق، فإن تحصين الفكر الطلابي لا يتحقق بالشعارات، بل يتطلب بيئة تعليمية تشجع على الحوار، وتؤمن بدور الطلبة شركاء في بناء المستقبل. وهذا يستدعي تصميم منهج يكون أكثر اتصالًا بالواقع، وتفعيل الحياة الطلابية، وضمان التمثيل العادل في المجالس، وربط الأنشطة الأكاديمية بالقضايا المجتمعية الكبرى. فحيثما يشارك الطالب في إنتاج المعنى، ينمو الانتماء، ويتعزز الشعور بالمسؤولية.

في هذا السياق، تتعاظم مسؤولية الإدارات الجامعية باعتبارها جهة مركزية في تشكيل الوعي العام. فهي معنية بتوفير مناخ يسمح للطلبة بالاندماج في الشأن العام، ويجعلهم جزءًا من عملية بناء الهوية الوطنية وصيانتها، لا مجرد متفرجين على تحولات لا يملكون أدوات فهمها أو التأثير فيها.

وتبدو التجربة الماليزية الأقرب لفهم التحديات الأردنية، إذ نجحت ماليزيا في تحويل التعليم العالي إلى منصة لبناء وحدة وطنية جامعة، من خلال برامج تعليمية تعزز التنوع الثقافي، ومبادرات تشاركية تعمّق الاندماج المجتمعي، ما أسهم في تقليص التوترات وتحسين جودة الحياة. وعلى غرارها، طورت سنغافورة نموذجًا يربط التعليم بمشروع الدولة، فيما استخدمت رواندا جامعاتها كمساحات للمصالحة الوطنية، واعتمدت تونس على التعليم العالي في إرساء قيم المواطنة بعد التحولات السياسية الكبرى.

تشير هذه التجارب إلى أن جودة التعليم لا تُقاس بالمحتوى الأكاديمي فحسب، بل بقدرته على تشكيل وعي جماعي مشترك، وصناعة أمل واقعي في التغيير. ومن هنا، فإن ربط التعليم العالي بالمجال العام لم يعد خيارًا بل ضرورة، في ظل ما يشهده الأردن من تحولات اقتصادية وديموغرافية وثقافية، تستدعي إعادة التفكير في أدوات التنشئة الحديثة.

الجامعة اليوم ليست مبنى ولا شهادة فقط، بل هي ساحة حيوية لتربية الضمير الوطني، ومختبر يُصاغ فيه السؤال الأردني: من نحن؟ وماذا نريد؟ وكيف نصوغ مشروعنا الوطني؟ ولا يمكن لهذا السؤال أن يُجاب عنه دون طلاب يشعرون أنهم معنيون بالإجابة، ومؤسسات تؤمن بأنهم جزء من الحل لا من الإشكال.

الهوية الوطنية الأردنية ليست معطًى نهائيًا، بل مشروع دائم التشكّل. ولكي يبقى هذا المشروع حيًا ومتجددًا، لا بد أن تشارك الأجيال الشابة في رسم معالمه، لا كواجب مفروض، بل كقناعة تنبع من الإيمان بأن الوطن ليس مكانًا نُقيم فيه، بل فكرة نُسهم جميعًا في بنائها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :