"الأردن إرادتنا التي لا تنكسر"
د. جاسر خلف محاسنه
24-05-2025 08:58 PM
في الخامس والعشرين من أيار، يستعيد الأردنيون لحظة تحوّلت فيها الأرض إلى وطن، والتاريخ إلى مشروع، والإرادة إلى دستور أخلاقي جامع.
الاستقلال حدث تأسيسي، لكنه لا يتوقف عند لحظة الإعلان. هو مسار بدأ يوم اختار الأردنيون أن يكونوا أسياد قرارهم، وأن يبنوا دولتهم على أسس الكرامة والسيادة والمسؤولية. في تلك اللحظة، تولّدت التزامات جماعية، وبدأت فكرة الوطن تتجسد في المؤسسات، وفي القانون، وفي الضمير العام.
كل حجر في هذا البلد يحمل أثر من ساهم في ترسيخ هذا المعنى. المدارس، والجامعات، والمحاكم، والمستشفيات، والمراكز الثقافية، والثكنات، كما المنازل، والشوارع، والساحات، والملاعب، والمصانع، والمزارع... كلها روافد لوطن ينهض حين يشعر أبناؤه أن ما ينجزونه يومًا بعد يوم يكمّل فكرة الاستقلال ويمنحها مضمونًا حيًا.
الدولة الحديثة تقوم على الثقة. الثقة المتبادلة بين الأفراد والمؤسسات، بين القول والفعل، بين الحقوق والواجبات. عندما يثق المواطن أن صوته مسموع، وأن جهده محفوظ، وأن مستقبله يصاغ بمشاركة وشفافية، تترسخ الهوية، ويتقوّى النسيج، وتثبت العلاقة مع الوطن.
الاستقلال يتطلب وعيًا مستمرًا، وتربيةً مدنية، ومؤسسات تقود بمسؤولية وتُبنى على الكفاءة والنزاهة. ويتطلب أيضًا أفرادًا يفهمون أن خدمة الوطن تبدأ من موقع العمل، ومن احترام القانون، ومن الإيمان بقيم العدالة والانتماء المسؤول.
هذا هو الأردن الذي نحمله في قلوبنا. هو حيّز حيّ يتشكل كل يوم بجهد أبنائه وبناته. وطنٌ يحيا في ضمائرنا بقدر ما ننهض به ونصونه ونحمي مستقبله بأفعالنا لا بأمنياتنا.
في عيد الاستقلال، نضع أيدينا معًا على خريطة واحدة، ونمضي بعزم نحو دولة متوازنة، عادلة، تتسع للجميع، وتحفظ كرامة الإنسان، وتُعلي شأن القانون، وتُطلق طاقات الإبداع.
كل عام والأردن أكثر وعيًا، أكثر صلابة، وأكثر اقترابًا من الصورة التي يستحقها.