سلام دافئ ودماء ساخنة: إلى الدكتور العناني .. من يعظ الجلاد لا يواسي الضحية
الدكتور زيد احمد المحيسن
24-05-2025 09:07 PM
في زمنٍ تذبح فيه الحقيقة على عتبات المصالح، وتُستبدل فيه المواقف بالمجاملات، يخرج علينا الدكتور جواد العناني، الوزير الأسبق، نائب رئيس الوزراء، ورئيس الديوان الملكي السابق، ليحدثنا—لا عن شلال الدم في غزة، ولا عن المجازر اليومية التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية، بل ليُطمئننا أن الأردن "لن يُقدم على إلغاء اتفاقية السلام" مع إسرائيل.
يا معالي الدكتور، حين تُزهق أرواح الأطفال تحت ركام البيوت، ويُباد شعب بأكمله على الهواء مباشرة، لا يكون الرد بحديث عن "تفهم ردة فعل إسرائيل في بداية الحرب"، وكأن دماء الأبرياء تُقاس بالميزان، وكأن جثث النساء والأطفال لا تُزعج ضميرك قدر ما تُزعجه فكرة أن إسرائيل قد تشعر بالضغط أو الانزعاج من غضبنا.
أتفهم، يا معالي الدكتور، أن السياسة تحتاج إلى حنكة، لكن لا أفهم كيف يمكن لرجل مثلك، عركته الدولة في أرفع مناصبها، أن يتحدث بهذا الضعف المستجدي، وكأن الأردن بلا سيادة، بلا تاريخ، بلا موقف. هل نسيت أن الأردن كان يومًا أول من وقف مع فلسطين؟ هل نسيت صوت الحسين وهو يخطب، والجيش العربي يضرب في اللطرون؟
تقول إن المتطرفين في إسرائيل "أضعاف مما هو لدينا"، وكأن المقارنة هنا في عدد المجانين لا في حجم الجريمة. ومنذ متى كانت كثرة السفاحين مبررًا للسكوت على جريمتهم؟ أهذا هو المقياس السياسي الجديد؟ أن نقيس العدالة بعدد المتطرفين في كل جهة؟
أما حديثك عن "سلام دافئ من الشعب إلى الشعب"، فاسمح لي أن أصفه بما يستحق: سلام تحت حرائق الغارات، سلام يُبنى على جثث الشهداء، سلام يشبه العناق بين السجان والسجين. من أي دفاتر دبلوماسية سحبت هذه المصطلحات الناعمة لتغلف بها مجازر القرن؟!
ثم تقول "قلوبنا مع عائلات المحتجزين الإسرائيليين". وماذا عن آلاف الأمهات في غزة اللواتي لا يعرفن إن كان أولادهن تحت الأنقاض أم في قوائم الشهداء؟ هل يكفي أن تهمس لهن بـ"تفهم ردة فعل إسرائيل" بينما ترى جثث أطفالهن تُنتشل من تحت الركام؟
الأردن، يا معالي الدكتور، لا يُعرّف بمهادنة القاتل، بل بصلابة رجاله. الأردن ليس دولة رخوة تحني رأسها للظلم، بل بلد الجباه العالية، والتاريخ الطويل في الوقوف مع الحق. شعب الأردن، بجيشه وبسطائه، لا يقبل سلامًا تُستباح تحته غزة، ولا يقبل مواقف سياسية تُساوي بين الجلاد والضحية.
نريد منك، ومن أمثالك ممن تصدّروا الشأن العام، أن يكون حديثهم بحجم مناصبهم، وحجم الدماء التي تسيل كل يوم. نريد موقفًا لا يخجل منه التاريخ، ولا تبكي بسببه الضمائر.
فيا معالي الدكتور، لو لم يكن في حديثك إلا هذا التوسل البائس لرضا إسرائيل، لكفى به وصمة في جبين كل من يحمل لقب "رجل دولة". كُن رجل موقف... أو على الأقل، اصمت..