مستقبل الطاقة النووية في الأردن
د. معتز العضايلة
26-05-2025 09:13 AM
لطالما شكّل تأمين مصادر الطاقة تحدياً استراتيجياً للأردن، نظراً لمحدودية الموارد الطبيعية والاعتماد الكبير على استيراد الوقود الأحفوري. في هذا السياق، تبرز الطاقة النووية خياراً واعداً وطويل الأمد يمكن أن يحقق قدراً كبيراً من الاستقلالية في قطاع الطاقة، ويُسهم في التنمية الاقتصادية المستدامة.
الطاقة النووية: ضرورة استراتيجية
يتجاوز الاهتمام الأردني بالطاقة النووية البعد التقني أو البيئي، ليأخذ طابعاً سيادياً واستراتيجياً. فوفقاً للتقارير الرسمية، يستورد الأردن أكثر من 90% من احتياجاته من الطاقة، ما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار والاضطرابات الجيوسياسية. لذلك، سعت هيئة الطاقة الذرية الأردنية منذ تأسيسها إلى تطوير برنامج نووي سلمي يُعنى بتوليد الكهرباء وتحلية المياه، في ظل تنامي الطلب الوطني على الكهرباء والمياه معاً.
البنية التحتية والتحديات التقنية:
شهدت العقود الأخيرة جهوداً لتأهيل الكوادر الوطنية، وإنشاء مفاعل نووي بحثي بقدرة 5 ميغاواط في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، بدعم من كوريا الجنوبية. وقد شكّل هذا المفاعل نواة للبحث العلمي والتدريب، وأرسى قاعدة معرفية وطنية يمكن البناء عليها مستقبلاً.
مع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، أبرزها الكلفة الرأسمالية العالية للمفاعلات التقليدية، والتقلبات في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، إضافة إلى الحساسيات البيئية والمجتمعية المرتبطة بتخزين النفايات المشعة.
نحو نماذج مفاعلات صغيرة (SMRs):
أمام هذه التحديات، يتجه الأردن مؤخراً إلى دراسة إمكانية تبنّي مفاعلات نووية صغيرة الحجم (Small Modular Reactors)، والتي تتميز بكلفتها التشغيلية المنخفضة نسبياً، ومرونتها في التركيب والتشغيل، فضلاً عن مستويات الأمان المتقدمة. هذا التوجه يُمكن أن يُشكّل نقطة تحول في مستقبل البرنامج النووي الأردني، خصوصاً إذا ما تم ربطه بمشاريع تحلية المياه أو إنتاج الهيدروجين الأخضر.
الاعتبارات الجيوسياسية والتنظيمية:
إن تطوير برنامج نووي يتطلب توافقاً دولياً صارماً، وتعاوناً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وهو ما حرصت عليه المملكة منذ البداية، عبر توقيع اتفاقيات تعاون ثنائي مع عدد من الدول النووية، واتباع نظام شفاف للضمانات.
لكن الأمر لا يتوقف عند الجانب التقني أو التنظيمي، فالمشروع النووي بحاجة إلى حاضنة سياسية وشعبية، قادرة على دعم اتخاذ قرارات طويلة الأمد، والتعامل مع الهواجس المجتمعية بمهنية وانفتاح.
الخلاصة:
إن مستقبل الطاقة النووية في الأردن مرهون بقدرة الدولة على تحقيق توازن بين الطموحات التنموية والتحديات الواقعية، سواء من حيث التمويل، أو التكنولوجيا، أو الرضا المجتمعي. ومع التطورات المتسارعة في تكنولوجيا المفاعلات، يبدو أن الأردن بات أقرب من أي وقت مضى لتحقيق حلمه النووي، ولكن ذلك يتطلب وضوحاً في الرؤية، واستمرارية في الالتزام، وشراكات دولية ذكية.
إذا ما توفرت الإرادة السياسية، والرؤية الاستراتيجية المتكاملة، فإن الطاقة النووية قد تكون ليس فقط جزءاً من مزيج الطاقة الأردني، بل ركيزة من ركائز أمنه الوطني والاقتصادي في العقود القادمة.