facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تجويد الممارسة الحزبية: من النص إلى الأثر


هناء بطاينة
28-05-2025 04:44 PM

حين أقرّ الأردن قانون الأحزاب السياسية رقم 7 لسنة 2022، لم يكن ذلك محض تعديل تشريعي، بل خطوة محسوبة ضمن مسار تحديثي أوسع، أراده جلالة الملك عبدالله الثاني رافعة لمشروع وطني يتسع للجميع، ويستند إلى أحزاب برامجية تنهض بالحياة العامة وتعيد ثقة المواطن بالمؤسسات.

لقد هيّأ هذا القانون بيئة جديدة تفرض التحول من العمل الحزبي التقليدي إلى ممارسة أكثر وعيًا ومسؤولية، تقوم على القناعة لا المجاراة، وعلى التعدد المنتج لا التكرار، وعلى حضور يعكس حاجة المجتمع لا فقط شروط القانون.

لكن النص وحده لا يُحدث الأثر ما لم يُجَوّد الأداء في كل محطة حزبية، بدءًا من التأسيس، ومرورًا ببنية الحزب الداخلية، ووصولًا إلى حضوره في الانتخابات،

وما بعدها من أدوار وطنية. التجويد هنا ليس خيارًا تجميليًّا، بل ضرورة لحزب يُحسن تمثيل الناس، ويشارك في صياغة القرار، ويُبقي الدولة على تماس دائم مع نبض الشارع.

المرحلة التأسيسية مثلًا، ليست مجرد استيفاء لأعداد ومناطق. بل هي لحظة بناء الهوية والرسالة، حيث يُختبر وعي المؤسسين بمشروعهم، ومدى جاهزيتهم لقيادة تنظيم حيّ يُخاطب الواقع، ويُجيد تقديم البديل.

وفي الداخل الحزبي، لا تكفي الوثائق الداخلية ما لم تتحول إلى ثقافة ناظمة؛ فالحزب الذي يُدير نفسه بشفافية، ويُداول أدواره، ويُنتج قيادة متجددة، يُقدّم نموذجًا ديمقراطيًا مصغّرًا، يُهيّئ كوادره ليكونوا فاعلين في المشهد العام، لا مجرد شخوص عابرة في لائحة الترشيح.

أما التفاعل المجتمعي، فهو رهان صعب. فكم من حزب انتشر شكليًّا دون أن يُحدث فرقًا فعليًا في وجدان الناس؟ التجويد هنا يعني بناء علاقة احترام لا استعراض، قائمة على خطاب واقعي، وبرامج ملموسة،

وإنصات صادق يعكس احتياجات المواطن قبل أن يطلب صوته.

وفي المحطة الانتخابية، تظهر جدية الحزب من نوعية مرشحيه ومن صدقية برامجه. فالانتخابات ليست مسابقة أسماء، بل اختبار لمدى قدرة الحزب على تحويل الفكرة إلى التزام، والرؤية إلى خطة قابلة للتنفيذ.

أما ما بعد الانتخابات، فهو المحكّ الحقيقي الذي تُقاس فيه الأحزاب بمدى انخراطها الجاد في العمل الوطني، سواء من موقع المشاركة في إدارة الشأن العام أو من موقع المعارضة المسؤولة. فالتمثيل ليس غاية، بل مقياس للعبور من الحضور الشكلي إلى الفعل المؤثر والدور الوطني الراسخ.

إنني أكتب هذه الكلمات انطلاقًا من إيمان حقيقي بأن الأحزاب المُمَنهجة ليست عبئًا على الدولة، بل أحد أدوات حمايتها وتعزيز مناعتها السياسية. وأن التجويد في كل مرحلة حزبية هو ما يصنع الفارق، ويُحوّل الحزب من كيان مُسجّل إلى مشروع وطني فاعل.


ولأنني أرى في الحزب الرشيد ركيزة توازن لا عبئًا على الاستقرار، أوجّه هذه السطور لكل من يقرأ اللحظة الوطنية بعين الحكمة والحرص على هذا البلد. وأقول: لسنا بحاجة إلى قانون جديد فحسب، بل إلى ممارسة حزبية راشدة، تليق بالأردن، وتنسجم مع الرؤية التي رسمها قائده لتكون السياسة ميدانًا للتنافس النبيل، لا ساحة ارتجال أو ارتداد.

فالمرحلة المقبلة ليست فقط امتحانًا للأحزاب، بل اختبار لقدرتنا جميعًا على إنجاح هذا التحول، بروح مسؤولة، وإرادة تصنع الفرق، وإيمان راسخ بأن الأردن يستحق الأفضل، وأن بناء المستقبل يبدأ من أداءٍ حزبي مُتقن، يحمل على عاتقه أمانة المشاركة، ووعي التحديث، وصدق الانتماء.

* قيادية فاعلة في الشأن العام وباحثة في القانون السياسي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :