facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هل يحتاج إلغاء "سايكس بيكو" إلى حربٍ عالمية ثالثة؟


داود عمر داود
28-05-2025 07:22 PM

إقامة إسرائيل خطأٌ تاريخي:

قبل أربعين عاماً خرج "جورج شولتز"، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في عهد الرئيس رونالد ريغان، بتصريح صادم قال فيه: "إن إنشاء إسرائيل كان خطأً تاريخياً". ومع إدراك المؤسسة الحاكمة في أمريكا لهذه الحقيقة إلا أنها فشلت في جميع محاولاتها لتصحيح هذا الخطأ، رغم النجاح الجزئي الذي تجسد في فرض "اتفاقية كامب ديفيد"، و"مؤتمر مدريد"، و"اتفاقية أوسلو" وغيرها، إضافة لجهودها الدبلوماسية التي لم تثمر في هذا المجال، عبر عقودٍ طويلةٍ ماضية.

تصحيح الخطأ التاريخي:

فقد انصبت "جهود السلام" الأمريكية، الهادفة إلى تصحيح الخطأ التاريخي، على محاولة "تحجيم إسرائيل"، بتغيير دورها الوظيفي من أداة استعمارية بيد بريطانيا، وقلعة متقدمة لأوروبا في المشرق العربي، إلى دولة اعتيادية كباقي دول المنطقة، تتعايش مع أهل فلسطين، عن طريق حل الدولتين، وتتعايش مع بقية دول المنطقة. إلا أن إسرائيل أدركت خطورة هذا "التحول" على مستقبلها، واستطاعت أن تتفلت من أي التزام، وأفشلت الجهود الأمريكية، إلى أن أوصلت مساعي واشنطن لتحجيمها الى طريق مسدودٍ تماماً. فإسرائيل لا تريد أن تتغير وظيفتها الاستعمارية، التي أُقيمت من أجلها، لأنها ستفقد عندئذ مبرر وجودها.

الاستراتيجة الأمريكية لإلغاء "سايكس بيكو":

التطور الخطير الجديد، اليوم، هي الاستراتيجية الأمريكية التي كشف عنها السفير الأمريكي في تركيا، اللبناني الأصل، "توماس باراك". ومضمونها أن الولايات المتحدة تنظر إلى "اتفاقية سايكس بيكو" على أنها كانت خطأً تاريخياً أيضاً، وأن هذه هي "رؤية الرئيس دونالد ترامب"، كما أعلن سفيره. وبذلك يكون "ترامب" قد صعّد الهدف الاستراتيجي لبلاده، من إعلان "شولتز"، قبل أربعة عقود، بأن إقامة إسرائيل كان خطأً تاريخياً، إلى أن "سايكس بيكو" نفسها التي جاءت بإسرائيل، وقسّمت المنطقة آنذاك بخرائطها الجديدة، كانت هي الاخرى خطأً تاريخياً.

وبهذا الإعلان الأمريكي أصبح واضحاً أن الهدف الاستراتيجي، بعيد المدى، للسياسة الأمريكية في المنطقة، هو تصحيح هذا الخطأ التاريخي المركب، الذي ارتكبه الأوروبيون بحق المنطقة وأهلها، كما قال "باراك"، مضيفاً أن بلاده ستبذل قصارى جهدها لتصحيح الخطأ.

المواجهة بين أمريكا والقوى الاستعمارية القديمة:

معروف أن بريطانيا وفرنسا كانتا في القرنين الماضيين هما أكبر قوى استعمارية في العالم. وعندما انتصرتا، في الحرب العالمية الأولى، تفاهمتا على أن تقتسما النفوذ والهيمنة على ممتلكات الدولة العثمانية في الهلال الخصيب، بلاد الشام وبلاد الرافدين (العراق). وهكذا جاءت الاتفاقية، عام 1916، بين الدبلوماسي البريطاني "مارك سايكس" ونظيره الفرنسي "فرانسوا جورج بيكو"، بناء على هذا التفاهم بين الدولتين. وقد صادقت على الاتفاقية كلٌ من روسيا القيصرية وايطاليا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه بينما وقعت بريطانيا على هذه الاتفاقية، مع فرنسا، كانت بذلك تتنصل من وعدها لشريف مكة "الحسين بن علي" بإقامة مملكة تشمل شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب. إذ أن "الثورة العربية الكبرى" قد قامت أصلاً على أساس فكرة "الشريف الحسين" بنقل الخلافة من الأتراك إلى العرب.

أُسس الاستراتيجية الأمريكية بالغاء "سايكس بيكو":

تبني الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة باعتبار "سايكس بيكو" خطأً تاريخياً على أساس أن "الحلول" لمشاكل المنطقة يجب أن "تنبع من داخل المنطقة، وعبر شراكات تقوم على الاحترام المتبادل"، كما أعلن "توماس باراك". أما الأساس الثاني، تتعهد واشنطن بأن هكذا اتفاقية "لن تتكرر" في المنطقة مرة اخرى. فيما الأساس الثالث، أن "زمن التدخل الغربي في المنطقة قد انتهى"، لأن الاتفاقية قد "قسمت سوريا والمنطقة لأهداف استعمارية لا من أجل السلام"، وأن "الغرب قد فرض خرائط وانتدابات وحدوداً مرسومة بالحبر"، كما قال السفير الأمريكي في بيانه. مع ملاحظة أن تعبير "الغرب" المقصود فيه بريطانيا وفرنسا، ولا يشمل الولايات المتحدة، وهذا يُعتبر انقلاباً حاداً بأن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر نفسها جزءاً من منظومة الدول الغربية.

توحيد الهلال الخصيب وشبه الجزيرة العربية للتصدي للمد الصيني القادم:

أما الأساس الرابع، للاستراتيجية الأمريكية الجديدة، فيشير "باراك" إلى من سيتولى مهمة "تصحيح الخطأ" الناجم عن "سايكس بيكو"، هي تركيا ودول الخليج وأوروبا. لكن الولايات المتحدة لن تدعمها عسكرياً، بمعنى أن "التغييرات" ستكون بوسائل سلمية، أو بحروب وكالة لن تكون أمريكا طرفاً مباشراً فيها. إذ قال السفير "باراك": "إن بلاده ستقف مع هذه الدول ليس بالجيوش وإلقاء المحاضرات أو بالحدود الوهمية".

ونلاحظ أن المقصود من تعبير "الحدود الوهمية" أن خرائط "سايكس بيكو" مقبلة لا محالة على التغيير. ويمكن أن نفهم من ذلك أن الهدف الاستراتيجي من إلغاء "سايكس بيكو" هو إعادة توحيد الهلال الخصيب وربطه عضوياً بشبه الجزيرة العربية، فينتج عن ذلك كتلة كبيرة وغنية، من ناحية جغرافية (قرابة 5 ملايين كيلومتر مربع)، ومن ناحية سكانية، (280 مليون نسمة)، تنتمي إلى إطار ديني وقومي واحدٍ متلاحم، وممتدٍ في التاريخ والحضارة والروح الثقافية، محتشدٍ بالإمكانات والموارد التنموية والمزايا الاستراتيجية. وهذا بالضبط التكتل الذي تحتاجه الولايات ليصبح خط الدفاع الأول، وحائط الصد المنيع في وجه التمدد الصيني.

وغالباً ما تكون آلية إعادة توحيد دول الهلال الخصيب، مع بعضها البعض، سلمياً وطوعياً. وربما يكون الاندماج التركي – السوري القادم هو التجربة الأولى كنموذج لكيفية التخلص من أثار "سايكس بيكو".

خلاصة القول: هل إلغاء "سايكس بيكو" سيفجر صراعاً بين الدول الاستعمارية القديمة وأمريكا؟:

الصراع الدولي بين الدول الاستعمارية الكبرى للاستحواذ على أكبر قدرٍ من النفوذ والثروات، وأطماعها التاريخية، في منطقتنا، هو صراع أزلي، منذ أيام إمبرطوريات فارس والروم، وربما قبلها. وسيبقى هذا الصراع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فمنذ أكثر من مئة عام، وحتى قبل سقوط الدولة العثمانية، نجد أن الصراع على منطقتنا انحصر بين الدول الاستعمارية الغربية، وما زال لغاية الآن. في البداية تفاهمت كلٌ من بريطانيا وفرنسا، بعد الحرب العالمية الأولى، على اقتسام المنطقة، واستقرت لهما الأمور إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين برزت أمريكا كقوة استعمارية صاعدة، تنافس كلاً من بريطانيا وفرنسا. وقد استطاعت أمريكا، في وقت مبكر، أن تضع لها قدماً في المنطقة، وتقوض النفوذ البريطاني والفرنسي في بعض الدول، والشاهد الأكبر على ذلك هو ما فعله رئيسها "دوايت أيزنهاور"، خلال العدوان الثلاثي على مصر، عام 1957، بإجبار بريطانيا وفرنسا تحت التهديد على وقف العدوان، وإجبار إسرائيل على الانسحاب من سيناء.

وها هي اليوم تتعاظم قوة ونفوذ أمريكا إلى درجة أنها تسعى لتوجيه ضربة قاضية لنفوذ الدول الاستعمارية القديمة، ممثلة ببريطانيا وفرنسا، كي تهيمن هي منفردة على منطقتنا، عن طريق إلغاء "اتفاقية سايكس بيكو" وكل ما ترتب عليها.

وعليه يبرز هنا تساؤل مهم هو: بماذا سترد الدول الاستعمارية القديمة، بريطانيا وفرنسا؟ هل تكتفي بالوقوف موقف المتفرج؟ أم تُفجر بوجه أمريكا مزيداً من حروب الوكالة، فتزداد معها المنطقة اشتعالاً وتشرذماً؟ أم تتحول المنافسة بينهما إلى صراعٍ ساخن، مباشرٍ ومفتوح؟ فـ "سايكس بيكو" جاءت بعد حربٍ عالمية، فهل يحتاج إلغاؤها إلى حربٍ عالمية ثالثة التي يتنبأ بها كثيرون؟ حربٌ لا تُبقي ولا تذر!
داود عمر داود
الاربعاء 28/5/2025





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :