* قراءة في مؤشرات البطالة وأبعادها الاجتماعية

في الربع الأول من عام 2025، سجلت معدلات البطالة في الأردن انخفاضًا طفيفًا، حيث وصلت إلى 21.3%. هذا الانخفاض، وإن كان بنسبة بسيطة لا تتجاوز 0.1 نقطة مئوية مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، إلا أنه يعكس نوعًا من الاستقرار بعد سنوات من التقلّبات. وإذا نظرنا إلى الوراء، وتحديدًا إلى عام 2022، نجد أن البطالة تراجعت بمقدار 1.5 نقطة مئوية، وهي إشارة إيجابية ولو محدودة على أن سوق العمل بدأ يتحرك في الاتجاه الصحيح.

لكن، وكما هي العادة في الأردن، لا يسير هذا التحسن بالتساوي بين مختلف فئات المجتمع. فعند الحديث عن الفجوة بين الذكور والإناث في سوق العمل، ما زلنا نواجه واقعًا مؤرقًا؛ البطالة بين الرجال بلغت 18.6%، بينما قفزت بين النساء إلى 31.2%. هذا الفرق الكبير ليس رقمًا فقط، بل هو انعكاس لقيود حقيقية تمنع النساء من الدخول والمنافسة في سوق العمل على قدم المساواة: من غياب وسائل النقل الآمنة، إلى نقص الحضانات، مرورًا بثقافة عمل لا تزال أحيانًا غير مرحبة بالمرأة.

من جهة أخرى، يُظهر توزيع المشتغلين بحسب العمر أن النسبة الأكبر منهم تقع في الفئة العمرية من 20 إلى 39 سنة. 60% من الرجال العاملين و58.2% من النساء العاملات ينتمون لهذه الفئة. هذا طبيعي، فالشباب هم الفئة الأكثر قدرة على العمل والإنتاج، لكن الملفت أن البطالة ما زالت مرتفعة بين هذه الفئة نفسها، خصوصًا بين خريجي الجامعات. الأمر هنا لا يتعلق فقط بعدد الوظائف، بل بنوعيتها ومدى توافقها مع المؤهلات الموجودة في السوق.

وعند الحديث عن المؤهلات، نكتشف أن حوالي نصف العاملين تقريبًا يحملون مؤهلات أقل من الثانوية، بينما 43% يحملون درجات أعلى من الثانوية. هذا التباين يعيد فتح النقاش حول نظام التعليم ومخرجاته: هل تُجهز الجامعات الطلاب لسوق العمل؟ وهل يُعقل أن حاملي الشهادات الجامعية يعانون من البطالة أكثر من غيرهم؟ الأمر يستحق التوقف والتأمل.

نمط التوظيف في الأردن أيضًا يكشف عن اعتماد واسع على الوظائف المأجورة؛ 86.8% من العاملين يتقاضون أجرًا، وهذه النسبة ترتفع بين النساء لتصل إلى 95.4%. ما يعني أن النساء يعتمدن بشكل شبه كامل على الوظائف الحكومية أو الخاصة، ولا يتجهن كثيرًا إلى العمل الحر أو المشاريع الصغيرة، ربما لأسباب تتعلق بثقافة ريادة الأعمال أو صعوبة الوصول إلى التمويل أو البيئة القانونية.

من الجوانب التي شهدت تحركًا واضحًا هو موضوع العمالة الوافدة. لأول مرة منذ فترة طويلة، تنخفض نسبة العمالة غير الأردنية إلى 44%، بعد أن كانت 44.7% قبل عام فقط. هذا الانخفاض، وإن بدا طفيفًا، إلا أنه مرتبط بإجراءات حكومية تهدف إلى تقنين استقدام العمالة الأجنبية، لإعطاء الأولوية للأردنيين. هذه السياسة بدأت تؤتي ثمارها تدريجيًا، لكن من المهم أن يصاحبها تدريب وتأهيل حقيقيان، حتى لا تملأ الوظائف الشاغرة بأيدٍ غير مدربة.

أما بالمقارنة بين هذا الربع والربع الأخير من عام 2024، فنلاحظ أن البطالة بين الذكور ارتفعت قليلًا (0.4 نقطة مئوية)، في حين انخفضت بين الإناث (1.0 نقطة مئوية). هذا التباين قد يكون ناتجًا عن ظروف موسمية أو قطاعات توظيف مؤقتة، لكنه يطرح تساؤلات أيضًا عن مدى استدامة أي تحسن نراه في مؤشرات البطالة لدى النساء.

البيانات التي نعتمد عليها في هذا التحليل مصدرها مسح قوة العمل، الذي تنفذه دائرة الإحصاءات العامة بشكل منتظم كل ثلاثة أشهر، على عينة وطنية تشمل أكثر من 16 ألف أسرة. هذا المسح لا يسأل فقط عن وضع العمل الحالي، بل يطبق أيضًا المعايير الدولية في احتساب البطالة، مثل سؤال الناس عمّا إذا بحثوا عن عمل خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة.

ورغم هذه المنهجية الدقيقة والنتائج المشجعة نسبيًا، إلا أن الواقع يقول إن أمام الأردن طريقًا طويلًا لحل معضلة البطالة. لا يتعلق الأمر فقط بتوفير الوظائف، بل ببناء بيئة اقتصادية وتعليمية واجتماعية تجعل من العمل خيارًا واقعيًا ومحفزًا لكل فئات المجتمع، وبالأخص الشباب والنساء.