الفلسطينيون لم يبيعوا أراضيهم لليهود
داود عمر داود
04-06-2025 05:01 PM
انتشر في الأونة الأخيرة مقطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، عبارة عن مقابلة تلفزيونية، مع دولة الدكتور عبد السلام المجالي، رحمه الله، ضمن الحديث عن القضية الفلسطينية، تناول فيه موضوع أن هناك من أبناء فلسطين من باعوا أراضيهم الخاصة بهم، ضمن الأراضي المغتصبة منذ عام 1948 إلى سلطات الاحتلال.
وهذه مقولة غير صحيحة، مع كل الاحترام والتقدير للمرحوم الدكتور عبد السلام المجالي. فهذه الشائعات، التي راجت في السنوات الأخيرة، لا تستند إلى أية حقائق أو وثائق. بل إن أول من أطلقها الأكاديمي الإسرائيلي العنصري "بيني موريس" المقيم في لندن، في سلسلة كتب أصدرها هناك تضمنت مثل هذه الأكاذيب وغيرها، عن بيع بعض الناس لأراضيهم المغتصبة منذ النكبة.
والحقيقة أن جميع من كتبوا أو تحدثوا في هذا الموضوع، استندوا - دون أن يدركوا - إلى مزاعم ذلك الأكاديمي الصهيوني القابع في بريطانيا، ونقلوا عنه، أو تأثروا بالفبركات التي تضمنتها كتبه.
والحقيقة الثابتة أن المحتلين استولوا على جميع أراضي وعقارات الفلسطيين التي تركوها خلفهم، عام النكبة، بعد أن أُجبر الأهالي على ترك مدنهم وقراهم بسبب المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الأبرياء من الشعب الفلسطيني، تماماً كما يحدث في قطاع غزة من مجازر حالياً.
أملاك الغائبين:
وبعد عامين على احتلال فلسطين، أصدر المحتلون قانون "حارس أملاك الغائبين" سنة 1950. وفيما بعد صدر "قانون استملاك الأرضي"، لسنة 1953، بحيث منح سلطات الاحتلال صلاحيات تمكنها من نقل ملكية الأراضي إلى أي جهاز من أجهزة الدولة. وقد تم بموجب هذا القانون نقل ملكية جميع الأراضي والعقارات، في كافة الأراضي التي احتلتها العصابات اليهودية، بحيث أصبح المالك في سجلات الأراضي "حكومة إسرائيل". وتم إخفاء أسماء المُلاك الأصليين من أهل فلسطين.
"حكومة إسرائيل" هي مالكة الأراضي والعقارات المغتصبة:
وقد تولت "أملاك الغائبين" إدارة الأراضي والعقارات الفلسطينية المغتصبة، فأخذت تؤجرها للمستوطنين اليهود، بعقود طويلة الأجل، 99 عاماً مثلا، وتتقاضى منهم الأجور، لحساب خزينة العدو. ويتبادل المستوطنون عقود الإيجار عن طريق بيعها لبعضهم البعض.
ففي إحدى زياراتنا لإنتاج فلم وثائقي عن قريتنا "عين كارم"، الواقعة جنوب غرب القدس، على بُعد ستة كيلومترات، من باب الخليل، شاهدنا يافطة "للبيع" معلقة على بوابة أحد البيوت، بجانب مقبرة القرية. فقمنا بالاتصال بالمكتب العقاري واستفسرنا منه عن آلية بيعهم بيوتنا المغتصبة في القرية، فأوضح لنا الآلية المتبعة قائلاً إن المستوطن يستطيع أن يبيع عقد الإيجار الذي آل إليه، من جده أو أبيه، إلى مستوطن آخر. ويتضح هنا أن المستوطنين لا يتوارثون "ملكية العقار" وإنما يتوارثون "عقود الإيجار".
وتعتمد قيمة شراء عقد الإيجار الذي يحمله المستوطن على ما تبقى من سنوات من مدة العقد. فمثلاً لو بدأ العقد سنة 1965، واراد ورثة العقد بيعه الآن، يكون قد تبقى لهم من مدته 40 عاماً. وبهذا يتم تحديد القيمة التي يدفعها "مشتري عقد الإيجار" إلى "بائع العقد".
الفلسطيني فقد أرضه وحقه فيها:
وبناء على ما تقدم فإن مالكة الأراضي والعقارات هي "حكومة إسرائيل". فاذا راجع "أملاك الغائبين" الفلسطيني، المالك الأصلي للأرض أو العقار، أو راجع أحدٌ من ورثته، فلن يكون لهم أو لجدهم اسمأً في سجلات الأراضي الجديدة. فكيف يمكن للفلسطيني أن يبيع قطعة أرضٍ، في حيفا مثلا، كما قال المرحوم الدكتور عبد السلام في المقابلة، إلى سلطات الاحتلال وهو غير معترف به كمالك شرعي للعقار أو الأرض؟ ولماذا تضطر "حكومة إسرائيل" أن تشتري عقاراً مسجلاً باسمها من شخص ليس له صفة لديها؟
وهكذا فإن كل ما يقال أن هناك من الفلسطينيين من باع أرضه، المغتصبة منذ 1948، هي مزاعم لا تستند إلى حقيقة أو واقع. فحكومة العدو ليست بحاجة لشراء اي قطعة أرض ما دامت مسجلة باسمها. ولغاية الآن، ورغم مرور 77 عاماً على النكبة، لم يستطع كل من يتحدثون في موضوع بيع الأراضي للعدو أن يعطوا اسماً واحداً لفلسطيني ممن قيل أنه باع أرضه لليهود.
خلاصة القول: الفلسطينيون لم يبيعوا أراضيهم لليهود:
هذه المقولة أن بعض الفلسطينيين باعوا أراضيهم لليهود، التي سرعان ما راجت بين كثير من الناس مصدرها المراجع الإسرائيلية. فدولة العصابات اليهودية في فلسطين لم تقم على قطع أراضي بيعت هنا أو هناك، بل قامت على مؤامرة كونية حاكتها بريطانيا، منذ القرن التاسع عشر، لإيجاد قاعدة متقدمة للغرب في المشرق العربي. ونفذتها على مدى ثلاثة عقود طويلة، 1917-1948، وأعانتها في ذلك الدول الاستعمارية الغربية الاخرى. حيث كانت قد جعلت من اليهود أداة استعمارية، واخترعت لهم "الصهيونية"، كدين جديد، لتجعل منهم ذراعاً استعمارياً ينفذ لها المؤامرات الشيطانية التي تتعرض لها الشعوب العربية والإسلامية، منذ أن وطأت أقدام المستعمرين أوطاننا، قبل أكثر من مئة عام.